وقول آخر: هو الذي سَلِمَ وسَلَّم وأسْلَمَ وسَالَم واستَسْلَم. وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين، حين سألهم أوّلا عما يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع على تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة فضلا أن يكون حجة، ثم صوّر المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله عز وعلا، فعظم شأنه وعدّد نعمته، من لدن خلقه وإنشائه إلى حين وفاته، مع ما يرجى في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك أن دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين، ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقولٌ آخر)، يجوز أن يحمل على بدع التفاسير، لأن التفسير الصحيح شرطه أن يكون مطابقاً للفظ من حيث الاستعمال، سليماً من التكلف، عرياً عن التعسف، أراد هذا المفسر أن قوله تعالى: ﴿بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ مطابق، والمقام يقتضي الحمل على معانٍ متعددة، سلم، سلم، وأسلم، وسالم، واستسلم، أي: سلم من الشرك والمعاصي، وسلم نفسه وابنه لحكم الله عز وجل، وسالم أولياء الله تعالى وحارب أعداءه، وأسلم حيث نظر فعرف من قوله تعالى: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١]، واستسلم: انقاد لله تعالى وأذعن لعبادته.
قوله: (ثم أنحى على آلهتهم). الأساس: انتحاه: قصده، وأنحى عليه باللوائم: إذا أقبل عليه. وعن بعضهم: وحقيقته الإتيان من ناحية، وعلى هذا قراءة من قرأ: "فاليوم ننجيك ببدنك" أي: نلقيك على ناحية من قارعة الطريق.
قوله: (ثم صور المسألة في نفسه)، يعني في قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ كما قال: قال: "عدوٌ لي" تصوير للمسألة في نفسه على معنى: أني فكرت في نفسي، إلى آخره، ومعنى قوله: "حتى تخلص منها": أنه جعل تصوير المسألة كالتخلص إلى ثناء الله تعالى وحمده وتعظيم شأنه وتعديد آلائه وهو قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon