وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
[(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ* وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ* فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ* وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ)].
الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويغتبطون بأنهم المحشورون إليها، والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم، يتحسرون على أنهم المسوقون إليها: قال الله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [ق: ٣١]، وقال: (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الملك: ٢٧]، يجمع عليهم الغموم كلها والحسرات، فتجعل النار بمرأى منهم، فيهلكون غما في كل لحظة، ويوبخون على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وتمني الكرة)، عطفٌ على "الندم والحسرة"، والمراد بالدفع في قوله: "وما يدفع إليه المشركون" هو قوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي: لا ينفع شيءٌ قط، إلا الندم على ما فوتوا على أنفسهم من الإتيان بسلامة القلب، وإلا الحسرة على ما كانوا عليه من الضلال، ولا يمنيهم الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويتعظوا، ومن ثم ختمت هذه القصة بقوله: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، إلى قوله: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهذه الطريقة إنما تحسن على رأي صاحب "المفتاح"، وذلك أن يحمل قوله: ﴿لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾ على معنى لا ينفع شيءٌ ما حمل قولك: لا ينفع زيدٌ ولا عمروٌ، على معنى: لا ينفع إنسانٌ ما.
قوله: (فتجعل النار بمرأى منهم)، إلى آخره، تفصيلٌ لقوله: "تجمع عليهم الغموم كلها"، والفاء في "فيهلكون غمًا": للتسبيب لأن النظر إلى النار سببٌ للغم، وفي "فيقال لهم": للتعقيب، أي: إذا قصد التوبيخ يقال ذلك القول. وقوله: "لأنهم وآلهتهم" وقوله: "وقود النار" تعليلٌ لقوله: "يوبخون"، أي: يقال لهم: أين آلهتكم؟ وهي حاضرةٌ معهم


الصفحة التالية
Icon