وأنّ إعجازهما ظاهر مكشوف، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين: على سبيل التفخيم لها والتعظيم، لأنّ المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه. فإن قلت: لم نكر الكتاب المبين؟ قلت: ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له، كقوله تعالى: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: ٥٥].
فإن قلت: ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن؟ قلت: كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك: هذا فعل السخي والجواد الكريم، لأنّ القرآن هو المنزل المبارك المصدّق لما بين يديه، فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأن إعجازهما ظاهرٌ مكشوفٌ)، قبل قوله: "أنههما يبينان" مبنيٌ على أن "أبان" بمعنى: أظهر. وقوله: "ظاهرٌ مكشوفٌ" على أنه بمعنى: بان وظهر. وقلت: إذن يلزم استعمال اللفظ الواحد في كلتا لغتيه: المتعدي واللازم، إلا أن يقال: إن الواو بمعنى "أو". والظاهر أن دلالة ﴿مُبِينٍ﴾ على الثاني بطريق اللزوم، فإن الشيء إذا كان مظهراً الجميع العلوم الفائقة، ينبغي أن يكون ظاهرًا في الإعجاز، وعكسه سبق في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨].
قوله: (﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥]، أي: مليكٍ مبهمٍ أمره في الملك والاقتدار، فلا شيء إلا وهو تحت ملكه وتصرفه وقدرته، فيقال: أي: كتابٌ مبهمٌ أمره في كونه كتابًا، فلا شيء من أمر الدين ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، إلا وهو مشتملٌ عليه.
قوله: (لأن القرن هو المنزل المبارك)، تعليلٌ لتنزيل لفظ ﴿الْقُرْآَنِ﴾ منزلة الوصف، ثم عطف ﴿وَكِتَابٍ﴾ عليه، لهذا قال: "كأنه قيل: تلك الآيات آيات المنزل المبارك، وآي كتابٍ"، ودلالة هذا الأسلوب على استقلال كل صفةٍ في تمييز الموصوف، وأنها إذا انفردت كفت بها مميزةً قد علم في موضعه، ولو حمله على باب التجريد كما في قولهم: مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة، كما ذكر في ﴿ص وَالْقُرْآَنِ﴾ [ص: ١] لجاز أيضًا.


الصفحة التالية
Icon