حتى صار معناها: وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.
[(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)].
فإن قلت: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته، وقد أسنده إلى الشيطان في قوله: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [النمل: ٢٤، العنكبوت: ٣٨]؟ قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك أنّ إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله عز وجل مجاز، وله طريقان في علم البيان. أحدهما: أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة. والثاني: أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هم الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح. هذا معنى قوله: "وهؤلاء الذين يوقنون ويعملون الصالحات، هم الموقنون بالآخرة".
هذه المعاني من التخصيص والتوكيد والتعليل إنما يفيدها التركيب إذا جعل معترضًا لاستقلاله، وأما إذا أدخل في حيز الصلة بأن جعل حالاً أو عطفًا على ﴿يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [النمل: ٣] على التأويل، لم يحتج إلى هذه العبارة، فتفوت تلك الفوائد، ولهذا قال: "وهو الوجه، ويدل عليه أنه عقد جملةً ابتدائيةً" إلى آخره. يريد أنه لو أريد غير ذلك لقيل: "وهم بالآخرة يوقنون" على تقدير الحال، "وبالآخرة يوقنون" على تقدير العطف.
قوله: (من المجاز الذي يسمى الاستعارة) وهي الاستعارة المصرحة التبعية، استعار زيَّن لـ (متَّع) بعد استعارة التزيين للتمتيع. وإليه الإشارة بقوله: (لما متعهم بطول العمر)، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم.
قال صاحب (الفرائد): قال أهل السنة: زينا لهم أعمالهم بما ركبنا فيهم من الشهوات