يكون من المجاز الحكمي، فالطريق الأوّل: أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم، وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وبطرهم وإيثارهم الروح والترفه، ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم. وإليه أشارت الملائكة صلوات الله عليهم في قولهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأماني، حتى رأوا ذلك حسناً، وهو كالختم والطبع. وفيه إثبات خلق الله تعالى أفعال العباد.
وقال صاحب "الانتصاف": قول الزمخشري مبنيٌ على قاعدة: "رعاية الأصلح"، ولو عكس فقال: "الإسناد إلى الله حقيقةً"، لكان أصوب، واختار ما رواه الحسن لموافقته، [وأنى لهم ذلك] وقد أتى الله بنيانهم من القواعد بما قد ورد التزيين غالباً في الشر ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ [آل عمران: ١٤] ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢١٢] ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٧] وورد في الخير قليلاً، كقوله: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧] ويبعد الخير هنا إضافة الأعمال إليهم في قوله: ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾، وهم لم يعملوا الخير أصلاً.
وقلت: الذي يؤيد قول صاحب "الفرائد" أن وزان فاتحة هذه السورة إلى هاهنا وزان فاتحة البقرة، فقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ﴾ كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦]. وقوله: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ كقوله: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧]، وقد سبق وجه دلالتها على مذهب أهل السنة هناك، وأن التركيب من باب تحقيق الخبر، وأن المعنى استمرارهم على الكفر، وأنهم بحيث لا يتوقع منهم الإيمان ساعةً فساعةً، أمارةٌ لرقم الشقاوة عليهم في الأزل، والختم على قلوبهم، وأنه تعالى زين لهم سوء عملهم، فهم


الصفحة التالية
Icon