(وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) [الفرقان: ١٨] والطريق الثاني: أن إمهاله الشيطان، وتخليته حتى يزين لهم، ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك في تيه الضلالة يترددون، وفي بيداء الكفر يعمهون.
دل على هذا التأويل إيقاع لفظ المضارع في صلة الموصول، والماضي في خبر الموصول، وترتب ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ بالفاعلية، واختصاص الخطاب بما يدل على الكبرياء والجبروت، ومن باب تحقيق الخبر قول الشاعر:

إن التي ضربت بيتاً مهاجرةً بكوفة الجند غالت ودها غول
يعني: هذا التبريز أمارةٌ لقطعها الحب وهجرانها، وأنه مما لا يشك فيه. وينصر هذا التأويل ما روينا عن البخاري ومسلم وأبي داود: عن عمران بن حصين قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: "نعم". قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال: "كلٌ ميسرٌ لما خلق له".
وعن الترمذي، عن ابن عمر قال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أمرٌ مبتدعٌ أو مبتدأٌ، أو فيما فرغ منه؟ فقال: "فيما قد فرغ منه يا ابن الخطاب، وكلٌ ميسرٌ، أما من كان أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء". انظر أيها المتأمل إلى هذه الأسرار.


الصفحة التالية
Icon