فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها، ويبث آثار يمنه في أباعدها، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة.
وقيل: المراد بالمبارك فيهم: موسى والملائكة الحاضرون. والظاهر أنه عامّ في كل من كان في تلك الأرض، وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله: (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء: ٧١]؛ وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم، ومهبط الوحي إليهم، وكفاتهم أحياء وأمواتا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: المراد بالمبارك فيهم موسى والملائكة)، الضمير في "فيهم" راجعٌ إلى اللام. وقيل: عطف على قوله: "بورك من في مكان النار ومن حول مكانها"، فذكر في المعطوف عليه أن ذلك المكان أي مكانٍ هو، والذي بوركت به البقعة ما هو، وهو حدوث أمرٍ ديني، ثم بين في المعطوف أن المراد بالذي بورك فيه من هو، وهو إما موسى والملائكة وما أعم منه. وعن بعضهم: البقعة من الأبقع، كالحمرة من الأحمر، وهي قطعةٌ فيها سوادٌ وبياضٌ، من الغراب الأبقع، والبقعان جمع أبقع، كالحمران جمع أحمر، ثم قيل لقطعةٍ من الأرض: بقعة، ومنه قولهم: إن للبقاع دولًا. وهذا من التعميم بعد التخصيص.
قوله: (وكفاتهم أحياءً وأمواتًا)، قال: الكفات من: كفت الشيء: إذا ضمه وجمعه، وهو اسم ما يكفت، كقولهم: الضمام والجماع لما يضم ويجمع، كأنه قيل: كافتاً أحياءً وأمواتاً، والمعنى: يكفت أحياءً على ظهرها وأمواتاً في بطنها.
الراغب: الكفت: القبض والجمع. قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا﴾ [المرسلات: ٢٥ - ٢٦]، أي: تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم. وقيل: معناه: تضم الأحياء التي هي الإنسان والحيوانات والنبات، والأموات التي هي الجمادات من التراب والماء


الصفحة التالية
Icon