فإن قلت: فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه؟ قلت: هي بشارة له بأنه قد قضى أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة. (وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعجيب لموسى عليه السلام من ذلك، وإيذان بأنّ ذلك الأمر مريده ومكوّنه رب العالمين، تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وغير ذلك. والكفات قيل: هو الطيران السريع، وحقيقته: قبض الجناح للطيران، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ [الملك: ١٩]، فالقبض هنا كالكفات هناك، والكفت: السوق الشديد، واستعمال الكفت في سوق الإبل كاستعمال القبض فيه، كقولهم: قبض الراعي الإبل، وراعٍ قبضةٌ. وكفت الله فلاناً إلى نفسه، كقولهم: قبضه. وفي الحديث: "اكفتوا صبيانكم بالليل".
قوله: (فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك؟ )، جاء بالفاء في السؤال، لأن السؤال واردٌ على قوله: "والظاهر أنه عامٌ في كل من كان في حوالي أرض الشام" يعني: إذا أريد بمن بورك من في النار: العموم، فما معنى ابتداء الخطاب لموسى عليه السلام، لأنه وغيره سواءٌ في ذلك. وأجاب بأنه بشارةٌ لموسى عليه السلام بتجديد بركةٍ أخرى إلى تلك البركات، وبواسطته تنتشر تلك البركة في تلك الأراضي، وتتصل إلى ساكنها.
قوله: (﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تعجيبٌ لموسى)، يعني: في ذكر موسى: "سبحان الله"، في هذا المقام فائدتان:
إحداهما: تعجيبٌ لموسى من ذلك الأمر العظيم، وهو إحداث أمرٍ دينيٍّ من تكليمه واستنبائه.
وثانيهما: إعلامٌ له بأن مريد ذلك الأمر هو رب السماوات والأرض وما بينهما، فأعظم بأمرٍ مريده من هو رب العالمين! وإليه الإشارة بقوله: "تنبيهاً على أن الكائن من


الصفحة التالية
Icon