الإيقان، وقد قوبل بين "المبصرة" و "المبين"، وأى ظلم أفحش من ظلم من اعتقد واستيقن أنها آيات بينة واضحة جاءت من عند الله، ثم كابر بتسميتها سحرا بينا مكشوفا لا شبهة فيه.
[(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)].
(عِلْماً) طائفة من العلم، أو علما سنيا غزيرا. فإن قلت: أليس هذا موضع الفاء دون الواو، كقولك: أعطيته فشكر، ومنعته فصبر؟ قلت: بلى، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقد قوبل بين "المبصرة" و"المبين")، لم يرد أنه من باب المقابلة التي هي الجمع بين المتضادين، بل أراد أنه كما وصف ﴿آَيَاتُنَا﴾ بقوله: ﴿مُبْصِرَةً﴾، قوبل وصف السحر بالمبين دوماً للتطابق بين الفظين. ويجوز أن يعتبر معنى التضاد من كونهما وصفين للمتضادين: الآيات والسحر، فيفيد بلوغ كلٍّ من الحق والباطل غايته.
قوله: (طائفةً من العلم أو علمًا سنيًا)، الانتصاف: والظاهر أن التنكير في ﴿عِلْمًا﴾ للتعظيم، لأنه في سياق الامتنان.
قوله: (ولكن عطفه بالواو إشعارٌ بأن ما قالاه) بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم)، يعني: أن إيتاء العلم من جلائل النعم وفواضل المنح، يستدعي إحداث الشكر أكثر مما ذكر، فجيء بالواو لأنها تستدعي معطوفاً عليه مضمراً، فيقدر بحسب ما يقتضيه موجب الشكر من قوله: "فعملا به وعلماه"، لأنهما من الشكر بالجوارح، "وعرفا حق النعمةٍ فيه والفضيلة"، فإنه من الشكر بالقلب، ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، فإنه من الشكر اللساني، فيستوعب جميع أنواع الشكر، ويوازي قول الشاعر:


الصفحة التالية
Icon