ويحكى أنه مر على بلبل في شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: "أتدرون ما يقول"؟ قالوا: "الله ونبيه أعلم". قال: "يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء". وصاحت فاختة، فأخبر أنها تقول: "ليت ذا الخلق لم يخلقوا". وصاح طاوس، فقال: "يقول: كما تدين تدان". وصاح هدهد، فقال: "يقول: استغفروا الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمنطق في المتعارف: كل لفظٍ يعبر به عما في الضمير، مفرداً كان أو مركباً، وقد يطلق على كل ما يصوت به على التشبيه أو التبع، كقولهم: نطقت الحمامة، ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد، فإن الأصوات الحيوانية- من حيث إنها تابعةٌ- منزلةٌ منزلة العبارات، سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض، بحيث يفهمها ما هو من جنسه، ولعل سليمان عليه السلام مهما صوت حيوانٌ علم بقوته الحدسية المخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه، ومن ذلك ما يحكى أنه مر بلبلٌ، إلى آخره.
الراغب: النطق في التعارف: الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان، قال تعالى: ﴿أَلَا تَاكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ﴾ [الصافات: ٩١، ٩٢]، ولا يكاد يقال إلا للإنسان، ولا يقال لغيره إلى على سبيل التبع، نحو: النطق والصامت، فيراد بالناطق: ما له صوتٌ، وبالصامت: ما لا صوت له، وقوله: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾: سمى أصوات الطير نطقاً اعتبارًا بسليمان عليه السلام الذي كان يفهمه، فمن فهم من شيءٍ معنى، فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطقٌ وإن كان صامتًا، وبالإضافة إلى من لم يفهم عنه صامتٌ وإن كان ناطقًا. وقيل: حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره.
قوله: (فعلى الدنيا العفاء)، النهاية: وفي حديث صفوان: إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفاً، وشربت عليه، فعلى الدنيا العفا، أي: الدروس وذهاب الأثر، وقيل: العفا: التراب.
قوله: (كما تدين تدان)، المرزوقي: الدين لفظٌ مشتركٌ في عدة معانٍ: الجزاء، والعادة،


الصفحة التالية
Icon