لأنّ النعمة على الولد نعمة على الوالدين، خصوصا النعمة الراجعة إلى الدين، فإنه إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته، وبدعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له، وقالوا: رضي الله عنك وعن والديك.
وروي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء، فأمر سليمان عليه السلام الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهنّ، ثم دعا بالدعوة. ومعنى (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) واجعلني من أهل الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأن النعمة على الولد نعمةٌ على الولدين)، هذا إذا قيدت النعمة المطلقة في ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ بما سبق من النعمتين، وأما إذا تركت على إطلاقها لتدخل فيها هاتان النعمتان دخولًا أوليًا يكون الحكم بالعكس، أي: النعمة على الوالد نعمةٌ على الولد، كما في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٧] إلى قوله: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ﴾ [البقرة: ٤٩] إلى آخر الآيات، ويعضده قوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبا: ١٣] بعد قوله: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ [سبأ: ١٠]، وقوله: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ [سبأ: ١٢] إلى آخره، ولأن قوله: ﴿أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [النمل: ١٩] مطابقٌ لقوله: ﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: ١٣] لإرادة المبالغة، فليتأمل.
قوله: (لئلا يذعرن)، ذعرته: أفزعته، ذعر فهو مذعورٌ. قال:

ذعرت به القطا وبقيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
ومعنى: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾: واجعلني من أهل الجنة، أي أنه كنايةٌ عنه، كقوله تعالى: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: ٢٩، ٣٠]، أي: ادخلي في جملة عبادي الصالحين، وانتظمي في سلكهم، وادخلي جنتي معهم.


الصفحة التالية
Icon