[(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَاتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)].
(أَمْ) هي المنقطعة: نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره، فقال: (ما لِيَ لا أَراهُ" على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول: "أهو غائب"؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. ونحوه قولهم: إنها لإبل أم شاء، وذكر من قصة الهدهد أنّ سليمان حين تم له بناء بيت المقدس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ونحوه قولهم: إنها لإبلٌ أم شاءٌ)، قيل: لو قال ونحوه قوله: "أزيدٌ عندك أم عندك عمرٌو" كأن أولى، لأن "أم" المنقطعة تقع في الاستفهام والخبر، وما نحن فيه من قبيل الاستفهام، وأنت في الاستفهام تكون مستفهمًا عن واحد بعينه بعد إضرابك عن الآخر، فكأنك قلت: أزيدٌ عندك؟ ظانًا أنه عند المخاطب، ليوقفك على حقيقة الأمر بلا ونعم، ثم بدا لك وصرت ظاناً أن الذي عنده هو عمرٌو، وأردت أن تترك الاستفهام عن زيدٍ إلى الاستفهام عن عمروٍ، فقلت: أم عندك عمروٌ؟ ولذلك ذكرت لكل واحدٍ منهما خبرة، لإضرابك عن الكلام الأول، واستفهامك عن الكلام الآخر.
وأما الخبر الثابت فأنت في قولك: "إنها لإبلٌ" جئت بالإخبار المحض، ثم جئت بعدها بالاستفهام، كأن قائل هذا سبق بصره إلى شبحٍ فظنه إبلاً فأخبر عن مقتضى ظنه، ثم اعتراه الشك فأعرض عنه، فـ "أم" هذه متضمنةٌ الهمزة "وبل"، فـ "بل" تدل على أنه قد أضرب عما سبق من الكلام، والهمزة على أنه يستفهم كلامًا آخر.
وقلت: معنى قوله: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ الإخبار وإن كان لفظه الطلب، وإليه الإشارة بقوله: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى﴾ على معنى أنه لا يراه وهو حاضرٌ لساترٍ ستره أو غير ذلك، فإنه في الجزم كونه حاضرًا مثل قوله: "إنها لإبلٌ"، وليس مثل: "أزيدٌ عندك"، لأنه ينكر على نفسه إنكارًا بليغًا عدم رؤيته، وهو حاضرٌ، وكذا الجملة الثانية تقريرٌ لإثبات خلافه، وأنه غائبٌ قطعاً لمجيء "كان" وإيقاع "من الغائبين" خبراً له لدلالتهما على أنه متوغلٌ في الغيبة. قال: بعيد، هذا في قوله: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧]: "إن كنت من


الصفحة التالية
Icon