تجهز للحج بحشره، فوافى الحرم وأقام به ما شاء، وكان يقرّب كل يوم طول مقامه بخمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة، ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها، فنزل ليتغدّى ويصلى فلم يجدوا الماء، وكان الهدهد قناقنه، وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فيجيء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإهاب ويستخرجون الماء، فتفقده لذلك، وحين نزل سليمان حلق الهدهد فرأى هدهدا واقعا، فانحط إليه فوصف له ملك سليمان وما سخر له من كل شيء، وذكر له صاحبه ملك بلقيس، وأنّ تحت يدها اثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاذبين" أبلغ من: كذبت، لأنه إذا كان معروفًا بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذبًا لا محالة، فالهمزة للتقرير، وإليه أومأ بقوله: "كأنه يسأل عن صحة ما لاح له".
قوله: (بحشرةٍ)، فعلٌ بمعنى مفعول، كالنقص والخطب، وقيل: جمع حاشرٍ، كالحرس في جمع حارس، إذا كانت الرواية "بحشرةٍ" بفتح الشين.
قوله: (قناقنه)، الجوهري: القنقن: الدليل الهادي والبصير بالماء في حفر القني، وكذلك القناقن بالضم، والجمع القناقن بالفتح، كالجلاجل جمع الجلاجل. ونظير القناقن- بالضم- في أنه نعت فردٍ: العذافر، وهو الجمل القوي، وتحليق الطائر: ارتفاعه في طيرانه.
قوله: (فتفقده)، الفقد: عدم الشيء بعد وجوده، وهو أخص من العدم، فإن العدم يقال فيه وفيما لم يوجد بعد. قال تعالى: ﴿مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: ٧١، ٧٢]، والتفقد: التعهد، لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشيء، والتعهد: تعرف العهد المتقدم. قال تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾. الفاقد: المرأة تفقد ولدها أو زوجها.
قوله: (ملك بلقيس)، بلقيس: بالعربية بكسر الباء، وبالعجمية: بفتح الباء: وهي بيت قريقيس.


الصفحة التالية
Icon