عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف، وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر، وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده علمه، ثم قال لسيد الطير وهو العقاب: علىّ به، فارتفعت فنظرت، فإذا هو مقبل فقصدته، فناشدها الله وقال:
"بحق الذي قوّاك وأقدرك علىّ إلا رحمتينى"، فتركته وقالت: "ثكلتك أمك، إنّ نبى الله قد حلف ليعذبنك"، قال: "وما استثنى"؟ قالت: "بلى قال: أو ليأتينى بعذر مبين"، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرّها علىّ الأرض تواضعا له، فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه، فقال:
"يا نبي الله، اذكر وقوفك بين يدي الله"، فارتعد سليمان وعفا عنه، ثم سأله. تعذيبه: أن يؤدّب
بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه. وقيل: " كان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه ويشمسه".
وقيل: "أن يطلى بالقطران ويشمس". وقيل: "أن يلقى للنمل يأكله". وقيل: "إيداعه القفص".
وقيل: "التفريق بينه وبين إلفه". وقيل: "لألزمنه صحبة الأضداد". وعن بعضهم: "أضيق السجون معاشرة الأضداد". وقيل: "لألزمنه خدمة أقرانه". فإن قلت: من أين حل له تعذيب الهدهد؟
قلت: يجوز أن يبيح له الله ذلك. لما رأى فيه من المصلحة والمنفعة، كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع: وإذا سخر له الطير ولم يتم ما سخر له من أجله إلا بالتأديب والسياسة:
جاز أن يباح له ما يستصلح به.
وقرئ: (ليأتينى) و (ليأتينن). والسلطان: الحجة والعذر. فإن قلت: قد حلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (عفريت الطير)، نقل صاحب "النهاية" عن المصنف: العفر والعفرية والعفريت والعفارية: القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه، والياء في عفرية وعفارية للإلحاق، والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل. وفي بعض النسخ: "عريف الطير"، العريف: النقيب، وهو دون الرئيس عرف عرافةً بالضم والكسر: صار عريفاً.
قوله: ("ليأتينني" و"ليأتينن")، قرأ ابن كثيرٍ: "ليأتينني" بنونين، الأولى مفتوحةٌ


الصفحة التالية
Icon