فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوّة والحكمة والعلوم الجمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا بنفس الحرف، وإذا كان كذلك فالتحقيق أن نحو: ﴿فَرَّطْتُ﴾ [الزمر: ٥٦]، و"أغلطت"، و ﴿أَحَطتُ﴾ بالإطباق ليس معه إدغامٌ، ولكنه لما اشتد التقارب وأمكن النطق بالثاني مع الأول من غير نقل اللسان كان كالنطق بالمثل بعد المثل، فأطلق عليه الإدغام.
وأيضاً الإنسان يحس من نفسه عند قوله: ﴿أَحَطتُ﴾ النطق بالطاء خفيفةً وبالتاء بعدها، فلا يجوز أن يقال: إن الطاء مدغمةً، لأن إدغامها يوجب قلبها إلى ما بعدها.
قوله: (فكافح سليمان)، الأساس: كافحه لاقاه مواجهةً عن مفاجأةٍ، ولقيته كفاحًا وكافحوهم في الحرب: ضاربوهم تلقاء الوجوه. الجوهري: أي ليس دونها ترسٌ ولا غيره.
وكافح هاهنا مستعارٌ لمواجهة الكلام وسلوك طريق التصريح، دون الإيماء والتلويح كما هو عادة المتسفل أن يتكلم بين يدي المستعلي، لاسيما المخاطب نبي الله، ومن ثم قال محيي السنة: الإحاطة: العلم بالشيء من جميع جهاته، يقول: علمت ما لم تعلم، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك، وجئتك ﴿مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾. وليست هذه المكافحة من قبيل رفع الصوت بين يدي رسول الله - ﷺ - في قوله تعالى: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] حتى تعارض به، ويقال: كيف يمكن للهدهد المكافحة وهو أضعف مخلوق، وقد أمر الله تعالى المؤمنين الذين هم أشرف الخلائق بخفض الصوت عند نبيه بقوله: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ [الحجرات: ٢]، لأن هذا تأديب وتهذيب لسليمان عليه السلام وذلك تعظيم لجلالة حضرة الرسالة ورفع منزلتها، ولكل مقام مقال.
فعلى الخائض في الطعن إلقاء البال، وذلك أن نبي الله سليمان حينما رأى سوابغ نعم الله- والآية في حقه وفي حق أبيه- ملكًا وعلمًا واستبدادهما بالمزية والفضل على سائر الناس، حتى قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وعقبه بقوله: {يَا أَيُّهَا