والتشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيده: أو: لأن فيها فراض شتى، وإنك تقول: فرضت الفريضة، وفرضت الفرائض. أو: لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كقطع الحديد، والفرض كالإيجاب، لكن الإيجاب يقال اعتباراً بوقوعه وثباته، والفرض بقطع الحكم فيه. قال تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾، أي: أوجبنا العمل بها. ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة: فرض. وكل موضع ورد فيه: فرض الله عليه، ففي الإيجاب الذي أدخله الله فيه. وما ورد من: فرض الله له، فهو في أن لا يحظره على نفسه، نحو قوله: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٧] أي: سميتم لهن مهرًا، وأوجبتم على أنفسكم بذلك، وعلى هذا يقال: فرض له في العطاء، وبهذا النظر، ومن هذا الغرض قيل للعطية: فرضٌ، وللدين: فرضٌ، قال تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧] أي: من عين على نفسه إقامة الحج، وإضافة فرض الحج إلى الإنسان دلالةٌ على أنه غير معين الوقت.
وقال الإمام: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾: فرضنا ما بين فيها، وإنما قال ذلك، لأن أكثر ما في هذه السورة من باب الأحكام والحدود.
وقلت: فقوله: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ بمنزلة براعة الاستهلال، لأن قوله: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا.... ﴾ إلى آخر السورة من الأحكام كالتفصيل، ونحوه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] على ما سبق بيانه.
قوله: (والتشديد للمبالغة)، أي: من شدد ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ وهو ابن كثير وأبو عمرو، فللمبالغة في الإيجاب.


الصفحة التالية
Icon