أولهما، أو: افعل بهما، لأن التوصية بهما دالة عليه، وما بعده مطابق له، كأنه قال: قلنا: أولهما معروفًا، ولا تُطِعْهُما في الشرك إذا حملاك عليه. وعلى هذا التفسير إن وقف على (بِوالِدَيْهِ) وابتدأ (حُسْناً) حسن الوقف، وعلى التفسير الأول لابد من إضمار القول، معناه: وقلنا إن جاهداك أيها الإنسان (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أى: لا علم لك بإلهيته. والمراد بنفي العلم؛ نفى المعلوم، كأنه قال: لتشرك بى شيئًا لا يصح أن يكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على تقدير: فعلاً ذا حُسْنٍ، أو على المُبالغةِ، وعلى الثاني: العاملُ فعلٌ آخَرُ مضمَرٌ بقَرينة المَقامِ، وهو أَوْلِهِمَا منَ الإيتاء والإعطاءِ، والجملةُ مُستأنَفةٌ، كأنَّه لمّا قيلَ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ فقيل: ما تلك الوَصِيَّةُ؟ فأُجيب قلنا: أَوْلِهِمَا مَعروفًا ولا تُطِعْهُما، وإليه الإشارةُ بقوله: ((إن وقف على ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ وابتدأ ﴿حَسْنًا﴾ حَسُنَ الوَقْفُ)).
قوله: (وما بعدَه مطابقٌ له) يعني: النَّهْيَ في قولِه: ﴿فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ مطابقٌ للأمرِ؛ لأنَّهما من وادي الإنشائيّاتِ.
قوله: (وعلى التفسيرِ الأول لابدَّ من إضمارِ القول)، يعني عند قوله: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ﴾، لأنّ المعنى: أَمَرْنا الإنسانَ بإيلاء والِدَيْهِ ذا حُسْنٍ وقلنا: ﴿إِن جَاهَدَاكَ﴾؛ أي: وعلى الثاني: القولُ مقدَّرٌ. قيل: عاملُ ﴿حُسْنًا﴾: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ﴾ إلى آخره، عطفٌ على هذا العاملِ فلا يقدَّر القولُ عند قولِه: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ﴾ لاستغنائه بذلك عنه، ومِنْ ثَمَّ قُدِّر هاهنا: أَوْلِهِمَا معروفًا ولا تُطِعْهُما في الشِّرك إذا حَمَلاكَ عليه.
قوله: (والمراد بنَفْي العِلْمِ نَفْيُ المَعْلُوم)، يعني هو من الكِنَايةِ، نَفْيُ الشَّيءِ بالبُرْهان؛ لأنَّ هذا الأسلوبَ يُستعمل غالبًا في حقِّ الله تعالى؛ نحو: أَتُعَلِّمون اللهَ بما لا يَعلَمُ. وفيه إشارةٌ إلى أنَّ نَفْيَ الشِّرك منَ العلمِ الضَّروريِّ، وأنَّ الفِطْرةَ السَّليمةَ مَجْبولةٌ عليه على ما وَرَد: ((كلُّ مَوْلودٍ يُولدُ على الفِطْرةِ))، وذلك أنَّ المُخاطَبَ بقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ﴾ جنسُ الإنسانِ، واللهُ أعلم.