إلهًا ولا يستقيم: وصاه بوالديه وأمره بالإحسان إليهما، ثم نبه بنهيه عن طاعتهما إذا أراداه على ما ذكر، على أن كل حق وإن عظم ساقط؛ إذا جاء حق الله، وأنه لا طاعة لمخلوٍق في معصية الخالق، ثم قال: إلىّ مرجع من آمن منكم ومن أشرك، فأجازيكم حق جزائكم. وفيه شيئان: أحدهما: أن الجزاء إلىّ، فلا تحدث نفسك بجفوة والديك وعقوقهما؛ لشركهما، ولا تحرمهما برك ومعروفك في الدنيا، كما أنى لا أمنعهما رزقي. والثاني: التحذير من متابعتهما على الشرك، والحث على الثبات والاستقامة في الدين بذكر المرجع والوعيد. روى: أن سعد بن أبى وقاص الزهري رضى الله عنه حين أسلم قالت أمّه، وهي حمنة بنت أبى سفيان بن أمية بن عبد شمس: يا سعد، بلغني أنك قد صبأت، فو الله لا يظلني سقف بيت من الفيح والريج؛ وإن الطعام والشراب علىّ حرام حتى تكفر بمحمد، وكان أحبّ ولدها إليها، فأبى سعد وبقيت ثلاثة أيام كذلك، فجاء سعد إلى رسول الله ﷺ وشكا إليه، فنزلت هذه الآية، والتي في "لقمان"، والتي في "الأحقاف"، فأمره رسول الله ﷺ أن يداريها ويترضاها بالإحسان. وروى: نزلت في عياش بن أبى ربيعة المخزومي، وذلك: أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضى الله عنهما مترافقين حتى نزلا المدينة، فخرج أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام أخواه لأمه أسماء بنت مخرمة: امرأة من بنى تميم من بنى حنظلة، فنزلا بعياش وقالا له: إن من دين محمٍد صلة الأرحام وبر الوالدين، وقد تركت أمّك لا تطعم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (رُويَ أنَّ سعدَ بنَ أبي وقّاصٍ) الحديثَ؛ من رواية مسلمٍ والتِّرمذيِّ، عن سعدٍ قال: أُنزلت فيَّ أربعُ آياتٍ منَ القرآنِ، قال: حَلفَتْ أُمُّ سعدٍ لا تُكلِّمُه أبدًا حتّى يَكْفُرَ بدِينِه، ولا تأكلُ ولا تَشربُ، قالت: زَعَمتُ أنَّ اللهَ وَصّاكَ بوالِدَيْكَ، فأنا أُمُّكَ وأنا آمُرُكَ بهذا، فمَكَثَتْ ثلاثًا حتّى غُشِيَ عليها من الجَهْدِ، فقام ابنٌ يُقال له: عُمارة فسَقاها، فجَعَلت تَدْعو على سَعدٍ، فأَنزلَ اللهُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ، وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤]؛ يعني: التي في ((لقمان)).


الصفحة التالية
Icon