ولا تشرب ولا تأوي بيتًا حتى تراك، وهي أشدّ حبا لك منا فاخرج معنا، وفتلا منه في الذروة والغارب، فاستشار عمر رضى الله عنه فقال: هما يخدعانك، ولك علىّ أن أقسم مالى بيني وبينك، فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر، فقال له عمر: أما إذ عصيتني فخذ ناقتي، فليس في الدنيا بعير يلحقها، فإن رابك منهما ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد كلت فاحملني معك. قال: نعم، فنزل ليوطئ لنفسه وله، فأخذاه وشدّاه وثاقًا، وجلده كل واحٍد منهما مائة جلدة، وذهبا به إلى أمه فقالت: لا تزال في عذاٍب حتى ترجع عن دين محمد، فنزلت.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)] ٩ [
(فِي الصَّالِحِينَ) في جملتهم. والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين، وهو متمنى أنبياء الله. قال الله تعالى حكايةً عن سليمان عليه السلام: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفَتَلا منه في الذِّرْوَة والغارِبِ)، فَتَل منه في الذِّرْوَة والغارِبِ: مَثَلٌ يُضرَبُ لمَن يَتَحَيَّلُ في مَيْل صاحبِه إلى ما كان يمتَنعُ منه؛ أي: لم يَزلْ يَرْفُقْ به رِفْقًا يُشبه مَنْ يَفْتِلُ الشَّعْرَ في ذِرْوَة الجَمَلِ الصَّعْبِ وغارِبِه حتّى يَستأنِسَ.
قوله: (والصَّلاحُ مِن أَبلَغ صفاتِ المؤمنينَ) وذلك أنَّ الصَّلاحَ ضِدُّ الفسادِ، والفسادُ: خروجُ الشَّيءِ عن كُوْنه مُنتفَعًا به، ولا كمالَ للإنسان أكملَ من حُصولِه على ما خُلِقَ له منَ البقاءِ، ولا يَحصُل ذلك في الدُّنيا؛ غايتَها الفَناءُ، وأيُّ فساد وراءَهُ؟ ! فإذن ليس له ذلك إلا ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ [القمر: ٥٥]، ولهذا كان طَلبُ الصَّلاحِ مُتَمنّى أنبياءِ الله، اللَّهمَّ أدخِلْنا في زُمرتهم.
قال الإمام: الصَّالِح باقٍ والصّالحونَ باقونَ، وبقاءُهم ليس بأَنفُسِهم، بل بأعمالِهُم الباقيةِ والمَعْمولُ له- وهو وَجْهُ اللهِ-[باقٍ]، والعاملونَ باقون ببقاء أعمالِهم. هذا على خلافِ