ثباتكم، ما قدر أحد أن يفتننا، فأعطونا نصيبنا من المغنم. ثم أخبر سبحانه أنه أعلم (بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) من العالمين بما في صدورهم، ومن ذلك ما تكنّ صدور هؤلاء من النفاق، وهذا إطلاع منه للمؤمنين على ما أبطنوه، ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين، وقرئ: (ليقولنّ) بفتح اللام.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)] ١٢ - ١٣ [
أمروهم باتباع سبيلهم؛ وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم، فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا: ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن تحمل خطاياكم. والمعنى: تعليق الحمل بالاتباع، وهذا قول صناديد قريش: كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأرادوا: لِيجتمعَ هذان الأمران) يُريد أنَّهم عَطَفوا ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَكُمْ﴾، وهو أمرٌ لأنفُسِهم لِحَمْلِ خَطايا الأتباع على أمرِ المؤمنينَ باتباعِهم إرادةً للمُبالَغةِ، وأنَّ كِلَيْهما لا بدَّ منَ الحُصول والإدخالِ في الوُجود على طريقةِ قولهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَوَودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [النمل: ١٥] في تَعْويل استعارة الرَّتْبِ إلى الذِّهن. ولو جيءَ بهما على ظاهرِهِما. وقيل: إن اتَّبعتمُونا حَملْنا خطاياكُم؛ على الشَّرطِ والجزاء كما قال، والمعنى: تعليقُ الحَمْل بالاتِّباع لم يكن منَ التحقيق في شيءٍ.
قال القاضي: وإنّما أَمَرُوا أنفُسَهم بالحَمْلِ عاطفين على أمرِهم بالاتِّباع مبالغةً في تعليق الحَمْلِ بالاتِّباع والوعدِ بتخفيف الأوزارِ عنهم إن كانت، تشجيعًا لهم عليه، وبهذا الاعتبار ردَّ عليهم كَذِبَهُم بقوله: ﴿وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَهُم﴾.


الصفحة التالية
Icon