فإن عسى كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم. ونرى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك فيقول لصاحبه إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم: افعل هذا وإثمه في عنقي. وكم من مغروٍر بمثل هذا الضمان من ضعفة العامّة وجهلتهم، ومنه ما يحكى أنّ أبا جعفر المنصور رفع إليه بعض أهل الحشو حوائجه، فلما قضاها قال: يا أمير المؤمنين، بقيت الحاجة العظمى. قال: وما هي؟ قال: شفاعتك يوم القيامة، فقال له عمرو بن عبيٍد رحمه الله: إياك وهؤلاء، فإنهم قطاع الطريق في المأمن. فإن قلت: كيف سماهم كاذبين، وإنما ضمنوا شيئًا علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به، وضامن ما لا يعلم اقتداره على الوفاء به، لا يسمى كاذبا؛ لا حين ضمن، ولا حين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فإن عسى كان ذلك) قيل: التقدير: فإن كان ذلك فإنّا نَتَحمَّلُ، وذَكَر ((عسى)) قبل ذِكْر الشَّرِطِ إشارةً إلى أن ذلك مبنيٌّ على رجائكم لا عن تَحقيقٍ، واسمُ ((عسى)) ضميرٌ يعود إلى ما دلَّ عليه قولُه: ((كان ذلك)) فإنه مقدَّمٌ معنًى؛ لأنَّ حرفَ الشَّرطِ داخلةٌ عليه، وخبرُه محذوفٌ، كأنَّه قيل: عسى كَوْنُ ذلك أن نَتَحمَّل، وقد أجاز ذلك ابنُ الحاجبِ في ((شرح المفصَّل)) في باب التَّنازُعِ، وفيه نظرٌ، والظاهرُ أنَّ ((عسى)) مُقْحَمٌ مؤكِّد بمعنى الفَرْض، والتقدير: ولذا رُتِّب على قولِه: ((لا نُبعث نحن ولا أنتُم)).
قوله: (فقال له عَمْرو بنُ عُبيد: إيّاكَ وهؤلاءِ، فإنَّهم قُطّاعُ الطَّريق في المَامَنِ)، الإنتصاف: عَمْرُو بنُ عبيد أوَّلُ القَدَريَّةِ المُنكِرينَ للشَّفاعةِ، والزَّمخشريُّ بَني كلامَه على أنه لا فَرق بين اعتقادِ أنَّ الكُفّارَ يَحملون خَطايا أتباعِهِم، فساقَهُما سِياقًا واحدًا، وفي الآيةِ نُكتةٌ وهي أنَّ الأمرَ قد يجيءُ بمعنى الخَبَرِ، فإنَّ بعضَ النّاسِ أنكَرَه والتَزم تَخريجَ جميعِ ما وَرَد في القرآن على الأمرِ، ولا يَتِمُّ له ذلك هاهُنا؛ لأنَّ التَّكذيبَ إنَّما يتطرَّق إلى الخَبَرِ.
وقلت: قد مَرَّ أنَّ أَصلَ الكلامِ على التَّعليقِ، فإنَّ المرادَ: إنِ اتَّبعتُمونا نَتَحمَّلُ خَطاياكُم. والعُدولُ للمُبالغةِ.


الصفحة التالية
Icon