عجز؛ لأنه في الحالين لا يدخل تحت حدّ الكاذب، وهو المخبر عن الشيء لا على ما هو عليه؟ قلت: شبه الله حالهم -حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به، فكان ضمانهم عنده لا على ما عليه المضمون- بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر عنه. ويجوز أن يريد أنهم كاذبون، لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف.
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أى: أثقال أنفسهم. (َأَثْقالًا) يعنى: أثّقالًا أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها، وهي: أثقال الذين كانوا سببًا في ضلالهم. (وَلَيُسْئَلُنَّ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فإنَّهم قُطَّاع الطَّريقِ في المامَنِ)، ((في المامَنِ)) تتميمٌ؛ لأنَّ قُطّاعَ الطَّريقِ إنّما يكونون في البَراريِّ والمَخاوَفِ.
قوله: (ويَجوز أن يُريد أنَّهم كاذبون، لأنَّهم قالوا ذلك وقلوبُهم على خِلاَفِه) عطفٌ على قولِه: ((شَبَّه الله حالهم))، الجوابان مَبيّان على الاختلاف في أنَّ الكَذِبَ هل هو الإخبارُ عنِ الشَّيءِ خلافَ ما هو به في الواقع؟ أَمْ على خلافِ مُعتَقَد القائِلِ؟ والجوابُ الأوَّلُ مبنيٌّ على المذهب الأوَّلِ، لكن على التَّشبيه، واستعارةُ الكَذِب لضمانِهم عندَ الله لا على ما عليه المَضْمونُ.
قال صاحب ((الفرائد)): قولُه: ((شَبَّه الله تعالى)) منظورٌ فيه؛ لأنَّ الواقعَ أنَّهم غيرُ حاملينَ من خطاياهم شيئًا؛ لقوله تعالى و: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازْرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، فكانوا مُخبِرينَ عن شيءٍ لا على ما عليه، فظَهَر أنَّه تَركَ الحقيقةَ إلى المجاز بدون المانِعِ.
قوله: (أثقالاً أُخَرَ غيرَ الخَطايا التي ضَمْنُوا للمؤمنين) وإنَّما قَيَّده به لِما عَلِمَ من قولهِ تعالى: ﴿وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِن شَيْءٍ﴾ نَفَى حَمْلَ خَطايا المؤمنينَ على سبيل الاستغراقِ.


الصفحة التالية
Icon