فإن قلت: هو معطوف بحرف العطف، فلا بد له من معطوف عليه، فما هو؟ قلت: هو جملة قوله: (أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ الله الْخَلْقَ) وكذلك: وأستخلفه، معطوف على جملة قوله: ما زلت أوثر فلانًا، (ذلِكَ) يرجع إلى ما يرجع إليه "هو" في قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)] الروم: ٢٧ [من معنى يعيد.
دل بقوله: (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) على أنهما نشأتان، وأن كل واحدةٍ منهما إنشاء، أى: ابتداء واختراع، وإخراج من العدم إلى الوجود، لا تفاوت بينهما إلا أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله، والأول ليست كذلك. وقرئ: (النشأة) و (النشاءة) كالرأفة والرآفة. فإن قلت: ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله: (ثُمَّ الله يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) بعد إضماره في قوله: (كيف بدأ الخلق)؟ وكان القياس أن يقال: كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة؟ قلت: الكلام معهم كان واقعًا في الإعادة، وفيها كانت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على ((أُوثر))؛ لأنَّ في تعلُّق ((ما زلت)) بـ ((أُوثِرُ)) دلالةً على استمرار إيثاره غيرَه من غير انقطاعٍ، وليس حُكم استخلافِه على مَنْ يَخلفُه بهذه المنزلة، فإنَّ ذلك لا يقع إلاّ نادرًا وأحيانًا.
قوله: (﴿ذَلِكَ﴾ يَرجعُ إلى ما يَرجعُ ((هو))) يعني: موقعُ ذلك في هذه الآية لفظًا وحُكمًا موقعُ ((هو)) في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] في أنَّ معناه: أنَّ الإعادةَ على الله أَيْسَرُ من الإبداء فيما يجب عندكم، وَينْقاسُ على أصولكم وتَقْتَضيه عُقولُكُم.
قوله: (دلَّ بقوله: ﴿النَّشْأةَ الأَخِرَةَ﴾) يعني لمّا عَطَف ﴿يُنشِئُ النَّشْأَةَ الأَخِرَةَ﴾ على قوله: ﴿بَدَأَ الخَلْقَ﴾ دلَّ على أنَّ الإبداءَ إنشاءٌ، والإنشاء إبداءٌ، لا تَفاوُتَ بينهما، وكلاهما إخراجٌ منَ العَدَم إلى الوجودِ.
قوله: (وقُرئ: ﴿النَّشْأَةَ﴾ بالمَدِّ: ابنُ كثيرٍ وأبو عمروٍ، والباقون: ﴿النَّشْأَةَ﴾