إن هربتم من حكمه وقضائه (فِي الْأَرْضِ) الفسيحة (وَلا فِي السَّماءِ) التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها، كقوله تعالى: (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا)] الرحمن: ٣٣ [، وقيل: ولا من في السماء كما قال حسان رضى الله عنه:
أمن يهجو رسول الله منكم... ويمدحه وينصره سواء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: ولا مَنْ في السَّماء) أي: على حَذْف المَوْصُولِ، فالموْصُولُ المحذوفُ عطفٌ على ((أنتُم)).
قال الزَّجاجُ: أي: ليس يُعجِزُ الله -سبحانه وتعالى- خَلْقٌ في السَّماء ولا في الأرض.
المعنى: ما أنتم بمُعجِزينَ في الأرض، ولا أهلُ السَّماء. هذا من قول ابن عبّاسٍ والكَلْبيِّ.
قوله: (أَمَنْ يَهْجُو) البيتَ، في ((المطلعِ))؛ أي: ومَن يَمدحُه، وهذا كما يقال: أَكْرِمْ مَنْ أتاكَ، وأتى أباك؛ أي: وأكرِمْ من أتى أباكَ. وقيل: لو لم يقدِّر ((مَنْ)) لكان ((يَمدحُه)) عَطْفًا على ((يهجوه)) وكان داخلاً في حَيِّزِ الصِّلةِ، فكانَ الهاجي والمادحُ شخصًا واحدًا، وفَسَد المعنى ولا يَصحُّ قولُه: ((سَواءُ)).
وقيل: إنَّ أبا سفيانَ بن الحارثِ هجا رسولَ الله ﷺ فعارَضَه حسانُ بنُ ثابتٍ بقصيدةٍ هذا البيتُ منها، ولمّا انتهى إلى قوله:
هَجْوتَ محمّدًا فأَجبتُ عنه... وعندَ الله في ذاكَ الجَزاءُ
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((جزاكَ اللهُ الجنَّةَ))، فلمّا بلغَ منها قولَه:
فإنَّ أبي ووالِدَه وعِرْضي... لعِرْضِ محمَّدٍ منكم وِقاءُ
قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وقاكَ اللهُ حَرَّ النّارِ))، ثم لمّا بلغ إلى قولِه:


الصفحة التالية
Icon