قطع السبيل: عمل قطاع الطريق، من قتل الأنفس وأخذ الأموال. وقيل: اعتراضهم السابلة بالفاحشة. وعن الحسن: قطع النسل بإتيان ما ليس بحرث. والْمُنْكَرَ عن ابن عباس رضى الله عنهما: هو الخذف بالحصى، والرمي بالبنادق، والفرقعة، ومضغ العلك، والسواك بين الناس، وحل الإزار، والسباب، والفحش في المزاح. وعن عائشة رضى الله عنها: "كانوا يتحابقون". وقيل: السخرية بمن مرّ بهم. وقيل: المجاهرة في ناديهم بذلك العمل، وكل معصية، فإظهارها أقبح من سترها، ولذلك جاء: من خرق جلباب الحياء فلا غيبة له. ولا يقال للمجلس: ناٍد، إلا ما دام فيه أهله، فإذا قاموا عنه لم يبق ناديًا. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تعدناه من نزول العذاب. كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعًا وكرهًا، ولأنهم ابتدعوا الفاحشة وسنوها فيمن بعدهم، وقال الله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ)] النحل: ٨٨ [. فأراد لوط عليه السلام أن يشتد غضب الله عليهم، فذكر لذلك صفة المفسدين في دعائه.
[(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) [٣١ - ٣٢]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يتحابقون) أي: يَتضارَطُونَ.
قوله: (ولأنَّهم ابتَدَعُوا الفاحشةَ) عطفٌ على مقدَّرٍ مَدْلُولٍ عليه بقوله: ((كانوا يُفْسِدونَ النّاسَ)) إلى آخره، يعني: إنّما لوطٌ صفةَ المُفسِدينَ؛ لأنَّهم كانوا يَحمِلُونَ النّاسَ على الإفسادِ، ولأنَّهم ابتَدَعوا الفاحشة؛ أي: فَعَلوا الفاحشةَ وحَمَلُوا النّاسَ عليها، وسَنُّوها فيمَن بعدَهم، والكافرُ إذا وُصِفَ بالفسقِ أو الإفسادِ كان مَحْمولاً على غُلَوائه في الكُفر. أَلاَ ترى كيف رتَّب الوَعيدَ بزيادة العذابِ في الآية المُستَشْهَدِ بها على الإفساد دُونَ الكُفرِ، ومِنْ ثَمَّ جَعلَ نبيُّ الله أيضًا الإفسادَ عَلَمَه لاستنزالِ شدَّةِ غَضَبِ الله بدُعائه. وفي إتيان الفاءِ في قوله: (فأراد لوطٌ) إشارةٌ إلى قولنا: ((ومِن ثمَّ جَعَل نبي.... )) إلى آخره.


الصفحة التالية
Icon