لبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ)؟ فإن قلت: ما معنى قوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) وكل أحٍد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشبَّهِ والمُشبَّهِ به كالتَّسَبُّبِ والتَّوطئةِ لِذِكْرها؛ لأنَّ الاستعارةَ مسبوقةٌ بالتَّشبيه، وإليه الإشارةُ بقوله: ((أو أخرجَ الكلامَ بعدَ تَصْحيحِ التَّشبيه مخرجَ المَجازِ))، فعلى هذا الجملةُ أيضًا تذييلٌ مقرِّر لمعنى المُشبَّهِ كما كان مُقرَّرًا في الأوَّلِ للمُشبَّه به، نَحوُه التَّجريدُ والتَّرشيحُ في الاستعارةِ.
ورابعها: أن يكونَ من تتمَّة التَّشبيهِ، داخلاً في حَيِّز المُشبَّه به حالاً منَ المنصوبِ، والعاملُ ﴿اتَّخَذَتْ﴾، أو مِنَ المرفوعِ المُستَكِنِّ الراجعِ إلى العنكبوتِ، وعلى التَّقديرَينِ وُضِعَ موضعَ الرّاجعِ في الجُملة المُظْهَرِ، واللاَّمُ في ﴿الْبُيُوتِ﴾ استغراقيَّةٌ، يشهدُ له قولُه: ((إذا استَقْرَيْتَها بيتًا بيتًا))، والتَّشبيهُ حينئذٍ إمّا مِنَ التَّشبيهاتِ المُفرَّقة أو التَّمثيليَّةِ التي يكون وجهُها المُشبَّهُ مُنْتَزَعًا مِنَ الأمور المُتعدِّدة الوَهْميَّةِ، ولذلك قال: ((بالإضافة إلى رَجلٍ يبني بيتًا بآجُرِّ وجِصٍّ)) فالعنكبوتُ التي تَتَّخِذُ بيتًا في مُقابِلِ الكافرِ الذي يَعْبُدُ الوَثَنَ، والرَّجُلُ الذي يبني بيتًا بآجُرٍّ وجِصٍّ في مُقابِلِ المؤمنِ الذي يَعبُدُ اللهَ، وإنَّ أَوْهَنَ البيوتِ بيتًا بَيتًا وهو بيتُ العنكبوتِ، مقابلٌ لضَعْفِ دِين عَبَدةِ الأوثانِ دِينًا دِينًا، وإنَّ أقوى البيوتِ بيتًا بيتًا هو البيتُ المبنيُّ بالآجُرِّ والجَصِّ، مقابلٌ لقوَّةِ دين عِبادِ الرَّحمنِ دِينًا دِينًا، وكلُّ هذه التَّقريراتِ المُلتَزِمَةِ إدخالَ هذه الفَقْرَةِ في حَيِّزِ التَّشبيهِ.
وأما قولُه: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ فإيغالٌ لأنَّ مَن وَقَف على قُبح القَبيحِ ربَّما أَقلَع عنه. وعن بغضِهم: الوَقْفُ على قولِه: ﴿الْعَنكَبُوتِ﴾ لازِمٌ، وهو قولُ الأَخفَشِ؛ لأنَّ جوابَ ((لو)) محذوفٌ، تقديرُه: لو كانوا يَعلمون وَهْنَ دِينِ عَبَدةِ الأوثانِ لَمَا اتَّخذوها أولياءَ، ولو وُصِل صار وَهْنُ بيتِ العنكبوت معلَّقًا بعِلْمِهم، وهو مطلَقٌ، والجملةُ لا تَصْلُح صفةً للمعرفةِ.
وعن الفَرّاء: إنَّ الموصولَ محذوفٌ كقوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَا﴾ [الجمعة: ٥]؛ أي: الذي يَحملُ الأسفارَ؛ وعلى هذا لا يُوقَفُ، وهو اختيارُ ابنِ دَرَسْتَوَيه في حَذْف المَوصُولِ.