يعلم وهن بيت العنكبوت؟ قلت: معناه لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن. ووجه آخر: وهو أنه إذا صحّ تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون. أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز، فكأنه قال: وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون.
ولقائٍل أن يقول: مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل عنكبوٍت يتخذ بيتًا، بالإضافة إلى رجل يبنى بيتًا بآجر وجص أو ينحته من صخر، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتًا بيتًا؛ بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينًا دينًا؛ عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون. قرئ: (يدعون) بالتاء والياء. وهذا توكيد للمثل وزيادة عليه، حيث لم يجعل ما يدعونه شيئًا (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فيه تجهيل لهم؛ حيث عبدوا ما ليس بشيء؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال صاحبُ ((الفرائد)): يُمكن أن يكونَ المعنى مَثَلُ مَنْ أَشرَكَ وطَمِعَ في نَفْعِهم والإغناءِ عنها في الدّارَين كمَثَلِ العنكبوتِ جَعَلت لِنفسِها بيتًا وطَمِعَت في نَفْعِها مِنْ دَفْع الحَرِّ والبَرْدِ والإغناءِ عنها، فكما لا يَفي بذلك بيتُ العنكبوتِ كذلك اتِّخاذُهمُ الأوثانَ.
قوله: (برئ ﴿يَدْعُونَ﴾ بالتاء والياء) بالياء التحتانية: أبو عمروٍ وعاصمٌ، والباقون: بالتاء.
قوله: (وهذا توكيدٌ للمَثَل وزيادةٌ عليه) أي: تَتْمِيمٌ له للمبالغة فيه؛ لأنَّه أَثْبَتَ في المَثَلِ وَهْنَ دِين عابدِ الوَثَنِ وضَعْفَه، وجُعل هنا عَدَمًا صِرْفًا، فـ ((ما)) في ﴿مَا يَدْعُونَ﴾ نافيةٌ.
قال أبو البقاء: يجوزُ أن تكونَ استفهاميّةً منصوبةً بـ ﴿يَدْعُونَ﴾، و ﴿مِن شَيْءٍ﴾:
تَبْيِينٌ، ويجوز أن تكونَ نافيةً، و ((مِنْ)) زائدةً، و ﴿شَيْئًا﴾ مفعول ﴿يَدْعُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon