لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلًا، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء، الحكيم الذي لا يفعل شيئًا إلا بحكمةٍ وتدبير.
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ)] ٤٣ [
كان الجهلة والسفهاء من قريش يقولون: إنّ ربّ محمٍد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، فلذلك قال: (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) أى: لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها إلا هم، لأنّ الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المحتجبة في الأستار؛ حتى تبرزها وتكشف عنها وتصوّرها للأفهام، كما صوّر هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد.
وعن النبي ﷺ أنه تلا هذه الآية فقال: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ليس معه مُصَحِّحُ العِلْمِ والقُدْرةِ)، أي: الحياة، يريدُ أنَّ قولَه: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ تتمِيمٌ لمعنى التَّجهيلِ الذي يُعطيه قولُه: ﴿يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ يعني: ما عَرَفوا أنَّ ما يَدْعونَه ليس بشيءٍ، ولا عَلِموا أنَّه ﴿الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ حيث تَرَكوا عبادةَ القادِرِ الحَكيمِ إلى ما ليس معه مُصحِّحُ العِلْمِ والقُدرةِ.
قوله: (العالِمُ مَنْ عَقَل عن الله فعَمِلَ بطاعتِه واجتَنبَ سَخَطَه) الحديثَ، أورَدَه محيي السُّنة في ((معالم التنزيل)) عن جابرٍ.
الجوهريُّ: قولُهم: ما أَعقِلُه عنك شيئًا، أي: دَعْ عنكَ هذا الشَّكَّ. هذا حرفٌ رواه سيبويه كأنه قال: ((ما أعلم شيئًا ممّا تقول، فدع عنك الشكّ)). وعن بعضِهم في الكلام حَذْفٌ، أي: الذي تقول ما أَعْقِلُه عنك شيئًا؛ ما أَعْقِل منه.
وقلت: خلاصتُه أنَّ مِثْلَ هذا التَّركيبِ لا يُستعمل إلاّ في معنًى دقيقِ المَسْلَكِ، صَعْبِ المُرْتَقى.