(بِالْحَقِّ) أي بالغرض الصحيح الذي هو حق لا باطل، وهو أن تكونا مساكن عباده وعبرةً للمعتبرين منهم، ودلائل على عظم قدرته، ألا ترى إلى قوله: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ونحوه قوله تعالى: (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا)] ص: ٢٧ [ثم قال: (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)] ص: ٢٧ [.
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ)] ٤٥ [
الصلاة تكون لطفًا في ترك المعاصي، فكأنها ناهية عنها. فإن قلت: كم من مصل يرتكب ولا تنهاه صلاته؟ قلت: الصلاة التي هي الصلاة عند الله المستحق بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو بالغَرَض الصَّحيح)، الانتصاف: اللَّفظُ والمعنى فاسدٌ، ولو فُرض أنَّ المعنى صحيحٌ لَكانَ الواجبُ اجتنابَ هذه الألفاظ الرَّديئةِ.
قوله: (ونحوُه [قوله تعالى]: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾ [ص: ٢٧]) وذلك أنَّ الباطلَ في مُقابلِ الحقِّ، وأنَّ قولَه: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] في مُقابِلِ قولِه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وأمّا ظَنُّ الكافرِ أنَّه باطلٌ فلأنَّه لم يَجعلِ الدَّلائلَ مَسارِحَ نَظَرِه ومطارِحَ فِكْرِه، لِيستَدِلَّ به على وُجودِ مُبدِعٍ فاطِرٍ، مُستَحِقٍّ لأنْ يُعبَدَ ويُطاعَ في أوامِرِه ونَواهِيه، كما أنَّ معنى يَقينِ المؤمنِ أنّه نَظَر وعَرَف فعَبَد وأطاعَ وانتَفَع بها، فكأنَّه أقَرَّ بحقِّيَّتِها.
وفيه: أنَّ صاحبَ عِلْمِ الهيئةِ الذي لا عبادةَ له كأنَّه ما نظَرَ فيها ولا عَرفَها حقَّ مَعرفتِها.


الصفحة التالية
Icon