ينهى عن جميع المناكير، وإنما تريد أنّ هذه الخصلة موجودة فيه، وحاصلة منه من غير اقتضاء للعموم. (وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ) يريد: وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات، وسماها بذكر الله كما قال: (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله)] الجمعة: ٩ [وإنما قال: ولذكر الله: ليستقلّ بالتعليل، كأنه قال:
وللصلاة أكبر، لأنها ذكر الله. أو: ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر، فكان أولى بأن ينهى من اللطف الذي في الصلاة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته (وَالله يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) من الخير والطاعة، فيثيبكم أحسن الثواب.
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)] ٤٦ [
(بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بالخصلة التي هي أحسن، وهي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، والسورة بالأناة، كما قال: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)] المؤمنون: ٩٦ [،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ليستقلَّ بالتعليل) أي: لِيرَفعَه ويكونَ حاملاً له.
الأساس: أقلَّه واستَقَلَّ به: رَفَعَه، يعني إنَّما عَدَل عنِ الظاهِرِ وهو قولُه: ((ولَلصَّلاةُ أكبر))؛ ليكونَ اللَّفظُ دالاًّ على المقصود بالمَجازِ ومُتضمِّنًا للتَّعليل؛ كأنَّه قيلَ: ولَلصَّلاةُ أكبرُ؛ لأنَّها ذِكْرُ الله، وقد عُلم أنَّ ذِكْرَ الله أكبرُ مِنْ كلِّ شيءٍ.
تلخيصُه: أنه مِنْ وَضْعِ المُظهَرِ موضعَ المُضمَرِ من غير لفظِه السابقِ؛ للإشعار بالعِلِّيَّة، ولو جيءَ بظاهِرٍ لم يُفِدْ هذا المعنى.
قوله: (مِنَ اللُّطْف الذي في الصَّلاة) المراد باللُّطف على اصطلاحهم: ما يُقرِّب إلى الطاعة ويَزْجُر عنِ المعصيةِ، يعني: تأثير الزّاجِرِ بذِكْر الله، وذِكْرُ نَهْيِه ووَعِيدِه أكثرُ مِنْ تأثير الزّاجِرِ بالصَّلاة.
قوله: (والسَّوْرَة)، الجوهريُّ: سَوْرَةُ السُّلطانِ: سَطْوَتُه واعتداؤه، و ((الأَنَاةُ)) بوزن القَنَاةِ: الحِلْمُ والوَقارُ.


الصفحة التالية
Icon