(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق. فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا: يد الله مغلولة. وقيل: معناه: ولا تجادلوا الداخلين في الذمّة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمّة ومنعوا الجزية، فإن أولئك مجادلتهم بالسيف. وعن قتادة: الآية منسوخة بقوله تعالى: (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)] التوبة: ٢٩ [ولا مجادلة أشدّ من السيف: وقوله: (قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) من جنس المجادلة بالتي هي أحسن. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدّقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: معناه: لا تُجادلوا الدّاخِلينَ في الذِّمَّةِ) عطفٌ على قوله: ((وهي مُقابَلَةُ الخُشُونةِ باللِّينِ))، وعلى الأوَّل: المُجادَلَةُ بالحُجَّة، وعلى الثاني: بالسَّيفِ، والحاصلُ من الوُجوه أنَّ قولَه: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مُطلَقٌ؛ إمّا أن يجريَ على إطلاقِه، فهو المرادُ من قولِه: ((إلاّ الذينَ ظَلَموا فأَفرَطُوا في الاعتداء))؛ لأنَّ الكافرَ إذا وُصِفَ بالفِسْق أو الظُّلم حُمِلَ على المُبالغة فيما هو فيه، ولذلك أتى بالفاء في ((فأَفْرَطُوا)) ليكونَ سببًا في الإفراط، أو يُقيَّدُ بما يُوجد منهم مِنَ الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من قولهم: ما أنتَ بصاحِبنا، ولا نجدُ في كتابنا ذِكْرَكَ، وهو المرادُ من قوله: ((آذَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم)) والقَرينةُ خارجيَّةٌ، أو القَرينةُ ما يُفهَمُ مِنْ قولِه: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ وأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلاَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ وهو المرادُ من قوله: ((الذين أَثَبَتُوا الولدَ والشَّريكَ))، أي: منَ النَّصارى، ((وقالوا: يدُ الله مغلولة))، أي: منَ اليهودِ، أو يكونُ المرادُ من المُجادَلَةِ التَّعرُّضَ والقتالَ، لا المُقاوَلَةَ والظُّلمَ. على هذا أيضًا باقٍ على إطلاقِه، ونتيجتُه نَبْذُ العَهْدِ؛ لذلك جيءَ بالفاء في ((فنَبَذُوا الذِّمَّةَ)).
قوله: (ما حدَّثَكُم أهلُ الكتابِ) الحديثَ؛ أخرجَه أبو داودَ، عن أبي نَمْلةَ الأنصاريِّ، وروى البخاريُّ عن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: ((لا يُصَدِّقوا أهلَ