[(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَاتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)] ٥٣ - ٥٥ [
كان استعجال العذاب استهزاًء منهم وتكذيبًا، والنضر بن الحارث هو الذي قال: اللهم أمطر علينا حجارةً من السماء، كما قال أصحاب الأيكة: (فأسقط علينا كسفا من السماء)] الشعراء: ١٨٧ [. (وَلَوْلا أَجَلٌ) قد سماه الله وبينه في اللوح لعذابهم، وأوجبت الحكمة تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) عاجلًا. والمراد بالأجل: الآخرة، لما روى أنّ الله تعالى وعد رسول الله ﷺ أن لا يعذب قومه ولا يستأصلهم، وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة. وقيل: يوم بدر. وقيل: وقت فنائهم بآجالهم، (لَمُحِيطَةٌ) أى: ستحيط بهم (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) أو هي محيطة بهم في الدنيا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنْ قلتَ: كيف الجمعُ بين هذا وبينَ قولِه تعالى: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ﴾ [البقرة: ٢٣]؟ لا تَسْتَشْهِدُوا بالله، ولا تقولوا: اللهُ يَشهدُ أنَّ ما نَدَّعِيه حقٌّ، كما يقولُه العاجِزُ عن إقامة البَيِّنةِ.
قلت: المراد بالشَّهيد في هذه الآية: إظهارُ المُعجزةِ القاهرة على يَدِه، وإنزالُ هذا الكتاب الذي لا يزال معه آيةً ثابتةً في كلِّ مكانٍ وكلِّ زمانٍ يَشهدُ بذِلك الآيةُ السابقةُ.
قوله: (﴿لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ عاجلاً) يدلُّ على هذا المقدَّر قولُه: ﴿وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾، وقولُه: ﴿وَلَيَاتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ عطفٌ تفسيريٌّ على ﴿لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ﴾؛ نحو: أَعجَبَني زيدٌ وكرمُه.
قوله: (أي: سَتُحيطُ بهم) أي: أصلُ الكلامِ هذا، ولكن جيءَ بالجملة الاسميَّةِ مؤكَّدةً باللاّم، و ((إنَّ)) لِيُؤذنَ بأنَّ إخبارَ الله عن الكائنِ واقعٌ البَتَّةَ، لِصِدْق وَعْدِه ووَعيدِه؛ نحو قولِه تعالى: ﴿إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ [الفتح: ١]، وعلى هذا: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ﴾ منصوبٌ بـ ((مُحِيطةٌ)).
قوله: (أو هي مُحِيطةٌ بهم في الدُّنيا) تُنزَّلُ إحاطةُ أسبابِ العذابِ بهم منَ الكُفر والمعاصي