لأنّ المعاصي التي توجبها محيطة بهم. أو: لأنها مآلهم ومرجعهم لا محالة فكأنها الساعة محيطة بهم. و (يَوْمَ يَغْشاهُمُ) على هذا منصوب بمضمر، أى: يوم يغشاهم العذاب كان كيت وكيت. (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) كقوله تعالى: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)] الزمر: ١٦ [، وَ (يَقُولُ) قرئ بالنون والياء (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى: جزاءه.
[(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)] ٥٦ [
معنى الآية: أنّ المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلٍد هو فيه ولم يتمش له أمر دينه كما يحب فليهاجر عنه إلى بلٍد يقدّر أنه فيه أسلم قلبًا وأصح دينًا وأكثر عبادةً وأحسن خشوعًا. ولعمري إن البقاع تتفاوت في ذلك التفاوت الكثير، ولقد جرّبنا وجرّب أوّلونا، فلم نجد فيما درنا وداروا أعون على قهر النفس وعصيان الشهوة، وأجمع للقلب المتلفت، وأضم للهم المنتشر، وأحث على القناعة، وأطرد للشيطان، وأبعد من كثير من الفتن، وأضبط للأمر الديني في الجملة؛ من سكنى حرم الله وجوار بيت الله، فلله الحمد على ما سهل من ذلك وقرب، ورزق من الصبر وأوزع من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منزلةَ إحاطةِ العذاب نَفْسِه؛ إطلاقًا لاسم المسبَّب على السَّببِ.
قوله: (أو لأنَّها مآلُهم ومَرْجِعُهم لا مَحالَة) يريد أنَّ ((ما)) للوُقوع كالواقعِ لِتَظاهُرِ أسبابِه؛ نحو: مُتْ، وهو من باب المَجازِ باعتبار ما يَؤُولُ.
قوله: (كَيْتَ وكَيْتَ) كنايةٌ عمّا يَقْصُر الوَصفُ عن بَيانِه؛ أي: حَدَثَ ووَقَع أمرٌ عظيمٌ، وخَطْبٌ جَسيمٌ، منَ الانتقام منَ المستهزئين وقَهْرِ المُكذِّبينَ، وتَشَفِّي غَليلِ المؤمنينَ، إلى غير ذلك، ولو قيل: واذكُرْ يومَ يغشاهُم، لم يُفِدْ هذه الفوائدَ.
قوله: (﴿وَيَقُولُ﴾ قُرئ بالنُّونِ والياءِ) بالنُّون: ابنُ كثيرٍ وأبو عَمرٍو وابنُ عامر، والباقون: بالياء.