الشكر. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فرّ بدينه من أرٍض إلى أرٍض وإن كان شبرًا من الأرض؛ استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد» وقيل: هي في المستضعفين بمكة الذين نزل فيهم: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)] النساء: ٩٧ [وإنما كان ذلك لأنّ أمر دينهم ما كان يستتب لهم بين ظهراني الكفرة، (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) في المتكلم، نحو: إياه ضربته، في الغائب وإياك عضتك، في المخاطب. والتقدير: فإياى فاعبدوا فاعبدون. فإن قلت: ما معنى الفاء في (فَاعْبُدُونِ)
وتقديم المفعول؟ قلت: الفاء جواب شرط محذوف؛ لأنّ المعنى: إنّ أرضى واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإيّاكَ عَضَّتْكَ) بالعين المُهملة والضّادِ المُعجَمةِ، والفاعلُ مقدَّرٌ، وهو الحربُ، ((وإيّاك)) منصوبٌ على شَرِيطة التَّفسير.
الأساس: مِنَ المُستعار: عَضَّه الأمرُ: اشتدَّ عليه، وعضَّتْهُ الحربُ.
قوله: (فإيّايَ فاعبُدوا فاعْبُدون)، يُريد أنَّ ((إيايَ)) لا يجوزُ أن يكون مَعْمولاً لهذا المَذْكورِ؛ لأنَّه اشتَغَل عنه بضَميرِه، فوَجَب تقديرُ مُفسِّرٍ، وهو قولُه: ((فاعبُدوا)) وهو العاملُ في ((إيّايَ))، والفاءُ الأُولى جوابُ شرطٍ محذوفٍ والثانية كذلك، لكن أُنِيبَ مَنابَه تقدُّمُ المفعول، المعنى: يا عبادي إنَّ أرضي واسعةٌ. وإذا كان كذلك فأَخْلِصُوا لي العبادةَ أينما كنتُم، فإنْ لم تَتمكَّنوا منَ الإخلاص في أرضٍ تَتمكَّنون منه فيها.
قال الزَّجاجُ: ((إيّايَ)) منصوبٌ بفعل مضمَرٍ يُفسِّرُه الظّاهرُ؛ أي: فاعبُدوا إيّايَ فاعبدوني، ولا يجوز انتصابه بالمذكور؛ لأنه مشغول بالضمير. وإذا قلت: ((فإيّايَ فاعبُدوا)) فـ ((إيّايَ)) منصوبٌ بما بعدَ الفاءِ، ولا تَنصبه بفعل مُضمَرٍ، كما إذا قلتَ: بزيدٍ فامْرُرْ، فالباء متعلِّقة بـ ((امْرُرْ))، وإذا قلتَ: زيدًا فاضربْ، فالفاء لا يَصلُح إلا أن تكونَ جوابًا للشَّرط، كأن قائلاً قال: أنا لا أضربُ عمرًا، ولكنّني أضربُ زيدًا. ثم قلتَ: زيدًا فاضْرِبْ، فجعلتَ تقديمَ الاسم بَدَلاً من لفظك بالشَّرطِ، كأنك قلت: إذا كان الأمر على ما قَصَدتَ فاضرِبْ زيدًا. هذا مذهبُ جميع البَصريِّينَ.


الصفحة التالية
Icon