أرٍض فأخلصوها لي في غيرها، ثم حذف الشرط وعوّض من حذفه تقديم المفعول، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص.
[(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ)] ٥٧ [
لما أمر عباده بالحرص على العبادة وصدق الاهتمام بها حتى يتطلبوا لها أوفق البلاد وإن شسعت، أتبعه قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أى: واجدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم حَذِفَ الشرطُ وعُوِّضَ مِنْ حَذْفِه تقديمُ المفعولِ، مع إفادةِ تَقْديمِه معنى الاختصاصِ والإخلاص) يعني: لمّا حُذف الشَّرطُ لدلالة الفاعليَّةِ، وعند الحَذْف خَفِيَ أمرُ المقدَّرِ أنَّه مِنْ أيِّ جنسٍ هو، فعُوِّض من ذِكْره تقديمُ المفعولِ معَ إفادةِ تَقْديمِه معنى الاختصاصِ والإخلاصِ، يعني: لمّا حُذف لدلالة الفاعليَّةِ وعندَ الحَذْفِ خَفِيَ أمر المقدَّر أنَّه من أيِّ جنس هو فعوض من ذِكْره تقديمُ المفعولِ، فإنَّه يُفيد الإخلاصَ ضِمْنًا لدلالتِه على الاختصاصِ، والاختصاصً والإخلاصُ من وادٍ واحدٍ، وإنّما أَخَّرْنا المفسَّرَ على المنصوبِ ليُفيدَ الاختصاصَ لاقتِضَاء المَقام، وهو قولُه: ((لأنَّ أَمْرَ دِينِهم ما كان يَسْتَتِبُّ لهم بينَ ظَهْرانَيِ الكَفَرة)).
قوله: (وإنْ شَسَعَتْ) أي: بَعُدَتْ. الأساس: سَفَرٌ شاسِعٌ، وقد شَسِعَ شُسُوعًا.
قوله: (كما يَجِدُ الذائقُ طَعْمَ المَذُوقِ)، الراغب: الذَّوْقُ: وُجودُ الطَّعم بالفَمِ، وأصلُه فيما يَقِلُّ تَناولُه دُونَ ما يَكْثُر منه، فإنَّه يُقال له الأكلُ، واخْتِيرَ في القرآن لفظُ الذَّوْقِ في العذابِ؛ لأنَّ ذلك- وإن كان في التَّعارُفِ للقليل- فهو مُسْتَصْلَحٌ للكثير، فخَصَّه بالذِّكر لِيَعُمَّ الأمرَينِ، وكَثُرَ استعمالُه في العذاب نحو: ﴿لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦]؛ وقد جاء في الرَّحمةِ؛ نحوُ ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ [هود: ٩].