لضعفها عن حمله (الله يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أى: لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي: لا يرزق تلك الدَّوابَّ الضِّعافَ إلا الله) هذا الحَصْرُ مُستفادٌ من بناء ﴿يَرْزُقُهَا﴾ على الاسم الجامع، ومثل هذا التَّركيبِ يُفيدُ التَّخصيصً عنده كما مرَّ في ((سورة الرعد)) عند قوله تعالى: ﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِزْقَ﴾ [الرعد: ٢٦].
قوله: ﴿وَإيَّاكُمْ﴾ تتميم ومبالغة لمعنى الرازقية في قوله: ﴿اللهُ يَرزُقُهَا﴾، ومِنْ ثَمَّ قال: ((ولا يَرزُقكُم أيضًا أيُّها الأقوياءُ إلاّ هو وإن كنتم مُطِيقينَ))، ويُمكن أن يُستنبَطَ معنى التَّخصيص من مَضْمون الكلامِ، وذلك أنَّه تعالى ما حَرَّض المؤمنينَ على المُهاجِرَةِ بقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ إلى قوله: ﴿كَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ إلاّ وأنَّهم اعتَقَدوا الضَّياعَ وخافوا الفقرَ، يَدلُّ عليه قولُه تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾.
وتأويلُ المصنِّف ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لقولكم: نخشى الفقرَ والضَّيعةَ، ﴿العَلِيمُ﴾ بما في ضمائركم، فمعنى قولِه تعالى: ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾، أي: إنْ كان أمرُ دينِكُم لا يَسْتَتِبُّ بينَ الكَفَرةِ، فاعلَموا أنَّ أرضي واسعةٌ، فهاجروا إلى ما يَتَمكَّنُ فيه لكم ذلك الأمرُ. وفي لفظ ﴿وَاسِعَةٌ﴾ إشعارٌ بالوَعد من الضِّيق إلى السَّعَة، وقد أنجَزَ اللهُ وَعْدَه في المدينة.
ولما أراد الوَعْدَ بالتَّوسعةِ في الآخرةِ والتَّسليةِ عن مُفارقَةِ الوطنِ قال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ وعقَّبَه بقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾، وبَنىَ عليه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ﴾ ولمّا أَتمَّ أمرَ التَّسليةِ في مُفارقةِ الأوطان وأراد أن يُزيلَ عنهم خوفَ الفقرِ أتى بقوله: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ ليكونَ كالتَّخلُّصِ من حديث التَّوسعةِ في الأَمكِنَةِ إلى حديث التَّوسعةِ في الرِّزق، وهو قولُه: ﴿كَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾.
ومِنْ ثَمَّ فسَّر المصنِّف الصَّبْرَ بقوله: ((صَبَروا على مُفارَقَة الأوطانِ))، فيكون هذا الكلامُ نفيًا لِمَا أَضْمَرُوا في أنفُسِهم من استشعارِ الخوفِ على الفقرِ إذا فارَقُوا أوطانَهم، وإثباتًا