ولا يرزقكم أيضا أيها الأقوياء إلا هو، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها، لأنه لو لم يقدركم ولم يقدّر لكم أسباب الكسب، لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل، وعن الحسن: (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لا تدّخره، إنما تصبح فيرزقها الله. وعن ابن عيينة: ليس شيء يخبأ إلا الإنسان والنملة والفأرة.
وعن بعضهم: رأيت البلبل يحتكر في حضنيه. ويقال: للعقعق مخابئ إلا أنه ينساها، (وَهُوَ السَّمِيعُ) لقولكم: نخشى الفقر والضيعة، (الْعَلِيمُ) بما في ضمائركم.
[(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)] ٦١ [
الضمير في (سَأَلْتَهُمْ) لأهل مكة، (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) فكيف يصرفون عن توحيد الله وأن لا يشركوا به، مع إقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِرازقيَّةِ الله تعالى على التَّوكيد البَليغِ، فيحصلُ الحَصْرُ من معنى نَفْي مُعتَقَدِهم وإثباتِ ما يُخالِفُه.
قوله: (لو لم يُقْدِرْكُم ولم يقدِّرْ لكم)، أَقْدَرَهُ: جَعَلَه قادرًا، وقدَّره له: هَيّأهُ له، وهذا المعنى إنّما استُفِيدَ من عطفِ ((إيّاكم)) على ضمير الدَّوابِّ، وأنَّهم مشتركونَ معها في العَجْزِ.
قوله: (في حِضْنَيهِ)، الأساس: الحِضْنُ: ما دُون الإبطِ إلى الكَشْحِ، حَضَنتِ المرأةُ وَلدَها، والحمامةُ بيضَها ومِحْضَنَةُ الحمامةِ، شِبْه قَصعتَينِ مُرَوَّحتينِ تُعمل من الطِّينِ.
قوله: (فكيف يُصرفونَ عن توحيدِ الله)، الجوهريُّ: صَرَفْتُ الرَّجلَ عنِّي فانصَرَفَ، وصَرَف اللهُ عنك الأَذى.
و((أن لا يشركوا به)) عطفٌ على سبيل التَّفسير على قوله: ((تَوْحيدِ اللهِ))، و ((معَ إقرارِهم)) حالٌ من فاعل ((يُصْرَفون)).