[(الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)] ٦٢ [
قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه. فإن قلت: الذي رجع إليه الضمير في قوله: (وَيَقْدِرُ لَهُ) هو: من يشاء، فكأن بسط الرزق وقدره جعلا لواحد؟ قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الفاءَ في ﴿فَأَنَّى﴾ جوابُ شرطٍ محذوفٌ مقدَّرٌ بعد جوابِ القَسَمِ السادِّ مَسَدَّ جواب الشَّرطِ، وهو: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾؛ أي: إذا كان جوابُهم عن قولِه: ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾، والاستفهامُ ولَّد التَّعجُّبُ، يعني: كيف يُمنَعون عنِ التَّوحيدِ وهُم مُقِرُّون بأنَّه خالقُ السَّماواتِ.
قوله: (قَدَرَ الرِّزقَ وقَتَرَه) هذه الآيةُ- أعني قولَه: ﴿للَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ -تكميلٌ لمعنى قولِه: ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾، لأنَّ الأوَّلَ الكلامُ في المَرْزُوقِ وعُمومِه، وهذا في الرِّزقِ وبَسْطِه وقَتْرِه.
وقوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ مُعتَرِضٌ لتوكيدِ معنى الآيتينِ، وتَعرُّضٌ بأنَّ الذين اعتَمدتُم عليهم في الرِّزق مقرِّونٌ بقُدرتِنا؛ كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨].
قوله: (الذي رجع إليه الضَّميرُ) يعني: إنَّ الضَّميرَ المجرورَ في قوله عائد إلى ((مَنْ))، فيَلْزمُ منه أن يَجعلَ القَبْضَ والبَسْطَ لواحدٍ.
وأجاب أن الضَّميرَ غيرُ عائدٍ إلى ((مَنْ))، بل وَضعَ موضعَ ((من يشاء))، بجامع كونهما مبهمتين فيتعدد المرزوق، ويجوز أن يرجع إلى ((من))، ويُرادَ به شخصٌ واحد، فيتعدد بحَسْبِ أحواله فيبسطُ له تارةً ويُقدِّر له أخرى.
وقلت: يمكنُ أن يرجعَ إلى ((مَنْ))، ويرادَ به العمومُ بدليل بيانِه بقوله: ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾، فيكونَ التعددُ بحَسبِ أشخاصِه، فالمعنى: إنَّ الله يبسطُ رزقَ بعضٍ ويُقدِّرُ رزْقَ بعضٍ، كما يقول: أكرمْتُ بني تميمٍ وأهنتُهم، ويريد البعضَ بقرينةِ المقام.