الظالمين بعضًا وفرق بين كلمهم، حتى تفانوا وتناقصوا، وفل هؤلاء شوكة هؤلاء؛ وفي ذلك قوّة للإسلام. وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه: وافق ذلك يوم بدر، وفي هذا اليوم نصر المؤمنون، (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ينصر عليكم تارةً وينصركم أخرى.
[(وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)] ٦ - ٧ [
(وَعْدَ الله) مصدر مؤكد، كقولك: لك علىّ ألف درهم عرفًا: لأنّ معناه: أعترف لك بها اعترافًا، ووعد الله ذلك وعدًا؛ لأنّ ما سبقه في معنى (وعد). ذمّهم الله عزّ وجل بأنهم عقلاء في أمور الدنيا، بله في أمر الدين، وذلك أنهم كانوا أصحاب تجاراٍت ومكاسب. وعن الحسن: بلغ من حذق أحدهم أنه يأخذ الدرهم فينقره بإصبعه، فيعلم أرديء هو أم جيد. وقوله: (يَعْلَمُونَ) بدل من قوله: (لا يَعْلَمُونَ) وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي هذا الإبدالِ من النُّكتة) إلى آخره، إرشادٌ إلى طريق استنباط المعاني الفائقةِ منَ العُدول عن مقتضى الظاهرِ واجتِنَاءِ ثمراتِ المَزايا من فُنون الكِناياتِ، وذلك أنَّ الأصلَ: ولكنّ أكثر الناس يعلمون ظاهرَ ما يتعيَّشون به في الدُّنيا من التِّجارات والمكاسب، ولا يعلمون باطِنَها من تجاراتِ الآخرةِ والفوزِ بالفلاح، فوُضِع ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ - هو مطلَقٌ، فيُفيد سَلْبَ العلم رأسًا- موضِعَ ﴿يَعْلَمُونَ﴾، ونُكِّر ﴿ظَاهِرًا﴾ ووُضِع موضِعَ ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ بإظهارِ قوله: ﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾؛ ليُفيدَ تلك الفوائدَ.
وقلت: الاَوْلى أن يُقالَ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ ((وَعْدَ الله حقٌ))، وأنَّ ((لله