لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله: (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها. وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة: يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة. وفي تنكير الظاهر: أنهم لا يعلمون إلا ظاهرًا واحدًا من جملة ظواهرها. و (هم) الثانية يجوز أن يكون مبتدأ. و (غافِلُونَ) خبره، والجملة خبر (هم) الأولى، وأن يكون تكريرًا للأولى، و (غافلون) خبر الأولى. وأية كانت فذكرها مناٍد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمرَ من قبلُ ومن بعدُ))، وأنَّه ينصرُ المؤمنينَ على الكافرين، ويَقذفُ بالحقِّ على الباطلِ فيَدمغُه؛ ليكونَ الدِّينُ كلُّه لله؛ لأنَّهم يعلمون ظاهرًا من الحياة الدُّنيا كما قالوا: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩]، وهم عن أسرار الله- من أنَّه تعالى ما خَلَق الخلقَ للَّهوِ واللَّعِبِ، بل خَلَقهم لِيَعرفُوه ويعبدُوه ويتزوَّدوا لدارِ القرارِ- غافلون كما قال تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ٣٢]. ومِنْ ثَمَّ أَتبَع ذلك بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ [الروم: ٨] وخَتَمه بقوله: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ والنّاسُ النّاسُ، فعلى هذا ﴿يَعْلَمُونَ﴾ الجملة استئنافيةٌ لبيانِ مُوجِب جَهْلِهم بوَعْد الله، واللهُ أعلم.
قوله: (ومَعلَمها)، الأساس: يقول: هو مَعلَمُ الخيرِ، مِنْ مَعالِمِه؛ أي: من مَظانِّه، وخَفِيت معالمُ الطريقِ؛ أي: آثارُها.
قوله: (وأنَّها منهم تَنْبعُ وإليهم ترجعُ)، أي: مصدرُها عنهم ومَورِدُها إليهم، وذلك أن ((هم)) الأوَّلَ دلَّ على الاختصاص؛ أي: هم الغافلون لا غيرهم، والثاني على التأكيدِ؛ أي: