[(أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ الله السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ)] ٨ [
(فِي أَنْفُسِهِمْ) يحتمل أن يكون ظرفًا، كأنه قيل: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أى: في قلوبهم الفارغة من الفكر، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك: اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك، وأن يكون صلة للتفكر، كقولك: تفكر في الأمر وأجال فيه فكره. و (ما خَلَقَ) متعلق بالقول المحذوف، معناه: أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول. وقيل: معناه: فيعلموا، لأنّ في الكلام دليلًا عليه، (إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أى: ما خلقها باطلًا وعبثًا بغير غرٍض صحيٍح وحكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة: وإنما خلقها مقرونةً بالحق مصحوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هم الذين استقرَّ وثبتَ فيهم الغَفْلةُ بالتَّحقيق، فبالاعتبار الأوَّل يُعلمُ أنَّ ليس للغَفْلة محلٌّ سِواهم، وأنها إليهم ترجعُ، وبالثاني تحقَّق أنهم مَعْدِن الغَفْلة ومَعْلَمُها ومَقَرُّها، ومنهم تَنبعُ.
قوله: (وقيل: معناه: فيَعلموا، لأنّ في الكلام دليلاً عليه)، أي: على تقدير (فيَعلَموا)؛ لأنَّ العلمَ نتيجةُ الفِكْرِ.
قوله: (بغير غَرَضٍ صحيحٍ)، مذهبُه، جَعَلَ الحقَّ في مقابل الباطِل، وفسَّره بالعَبَث، والعبثُ: أن لا يكونَ في الخَلْق فائدةٌ، ولمّا عُلم أنَّ الفائدةَ غيرُ راجعةٍ إلى الله بل إلى المكلَّفين، يجبُ أن يُقالَ: ما خَلَقها إلاّ بأنْ تكونَ مساكنَ المكلَّفين ومسارحَ نَظَرِ المتفكِّرين؛ ليعرفُوه فيعبُدوه. فلا يُقالُ: لغرض صحيح؛ لئلاّ يُوهم النُّقصان.
قوله: (ولا لتبقى خالدة وإنَّما خَلَقها مقرونةً بالحقِّ) إلى آخره، مَشعرٌ بأنَّ قولَه: ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ عطفٌ تفسيريٌّ على قوله: ﴿بِالحَقِّ﴾، ولذلك استَشهد بقوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥]، وذلك أنَّ هذا في حقِّ مُنكِري البعثِ، بدليل تَعْقيبه بقوله: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ تقريعًا وتوبيخًا.


الصفحة التالية
Icon