بالحكمة، وبتقدير أجٍل مسمى لا بد لها من أن تنتهي إليه، وهو قيام الساعة، ووقت الحساب والثواب والعقاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ)] المؤمنون: ١١٥ [كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثًا. والباء في قوله: (إِلَّا بِالْحَقِّ) مثلها في قولك: دخلت عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه، تريد: اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام، غير منفك عنهما. وكذلك المعنى ما خلقها إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به، فإن قلت: إذا جعلت (فِي أَنْفُسِهِمْ) صلة للتفكر، فما معناه؟ قلت: معناه: أو لم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات، وهم أعلم وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها، فيتدبروا ما أودعها الله ظاهرًا وباطنًا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون الإهمال، وأنه لا بد لها من انتهاٍء إلى وقٍت يجازيها فيه الحكيم الذي دبر أمرها على الإحسان إحسانًا وعلى الإساءة مثلها، حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك؛ أمرها جاٍر على الحكمة والتدبير، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت، والمراد بلقاء ربهم: الأجل المسمى.
[(أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)] ٩ [
(أَوَ لَمْ يَسِيرُوا) تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمّرين من عاٍد وثمود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حتى يَعلموا عند ذلك أنَّ سائرَ الخَلائق كذلك) قال القاضي: لأنَّ نَفْسَ الإنسان مرآةٌ يتجَلّى للمُستَبصِر فيها ما يَتجلّى له في المُمْكِنات بأسرها، فإذا تفكَّر فيها تحقَّق له قُدرةُ مُبدِعِها على إعادتها كما أَبدأَها.


الصفحة التالية
Icon