وغيرهم من الأمم العاتية، ثم أخذ يصف لهم أحوالهم وأنهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) وحرثوها قال الله تعالى: (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ)] البقرة: ٧١ [، وقيل لبقر الحرث: المثيرة. وقالوا: سمى ثورًا لإثارته الأرض. وبقرة؛ لأنها تبقرها؛ أى تشقها، (وَعَمَرُوها) يعنى أولئك المدمّرون (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) من عمارة أهل مكة، وأهل مكة: أهل واٍد غير ذى زرع، ما لهم إثارة أرٍض أصلًا ولا عمارة لها رأسًا فما هو إلا تهكم بهم، وبضعف حالهم في دنياهم؛ لأنّ معظم ما يستظهر به أهل الدنيا ويتباهون به أمر الدهقنة، وهم أيضًا ضعاف القوى، فقوله: (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أى: من عاٍد وثمود وأضرابهم من هذا القبيل، كقوله: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)] فصلت: ١٥ [وإن كان هذا أبلغ؛ لأنه خالق القوى والقدر. فما كان تدميره إياهم ظلمًا لهم، لأنّ حاله منافية للظلم، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم.
[(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ الله وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ)] ١٠]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من هذا القبيل) خبرٌ لقولِه: ((فقوله وقوله))؛ أي: أراد بقوله: ((من هذا القَبِيل)) قَبِيلَ التَّهكُّم في قوله: ﴿وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ يريد أنه كما أسنَدَ العِمَارةَ إلى أهل مكّةَ وهم أهلُ وادٍ غيرِ ذي زرعٍ تهكُّمًا بهم. كذلك نَسَب إليهم القُوَّةَ في قوله: ﴿أَشَدَّ مِنْهُمْ﴾ حيث شارَكَهم مع عادٍ وثمودَ في القوَّة وهم ضِعافُ القُوى تَهكُّمًا، وعلى التَّهكُّم وَرَد قولُه تعالى: ﴿وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فُصِّلَت: ١٥]، وإن كان هذا في التَّهكُّم أبلغ؛ لأنَّه لا يُتصوَّر التَّفاوُتُ بينَ البَشَرِ في القوَّةِ.
قال صاحبُ: ((الفرائد)): يُمكن أن يكونَ المرادُ من العِمارةِ الأَبنيةَ من الدُّور والقُصور والحُصون، فعلى هذا لم يكن تَهكُّمًا.
قلت: أين يذهب عليه قولُه تعالى: ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾.


الصفحة التالية
Icon