(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم؛ لأنّ من أعاد منكم صنعة شيء؛ كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم: أوّل الغزو أخرق، وتسمون الماهر في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم) وتحقيقُه أنَّ الإنسانَ الضعيفَ العاجزَ الذي لا يُطيق حَمْل معاني الحكمة الإلهيَّةِ والأسرارِ الرُّبوبيةِ، إذ لو كُوشفوا ببعضِها لاضمَحَلَّت قُواهم وتلاشَتْ عقولُهم. ولله درُّ الإمامِ حُجّةِ الإسلامِ وقولِه في ((الإحياء)): لا طاقةَ للبَشَر أن ينفذوا غَوْرَ الحكمةِ، كما لا طاقةَ لهم أن ينفذُوا بأبصارهم ضوءَ عينِ الشَّمسِ، ولكنَّهم ينالون منها ما تحيي به أبصارُهم، ويستدلُّون بع على حوائجهم فقط.
وقد تأنَّق بعضُهم في التعبير عن وجه اللُّطفِ في إيصالِ معاني كلامِ اللهِ المجيدِ مع علوِّ درجتِه إلى فَهْم الإنسان مع قُصورِ رُتبته، وضربَ له مثلاً ولم يُقصِّر فيه، قال: إنّا رأينا الناسَ لمّا أرادوا أن يُفهِموا بعضَ الدَّواب والطيرِ ما يُريدون من تقديمِها وتأخيرها، ورَأَوا الدَّوابَّ تَقصُر عن فَهْمِ كلامِهم الصادرِ عن أنوار عقلِهم مع حُسنه وترتيبِه، فنزلوا إلى درجةِ تمييزِ البَهائم وأوصلوا مقاصِدَهم إلى بواطنِها بأصواتٍ يضعونها لائقةٍ بها من النَّفيرِ والصَّفير والأصواتِ القريبةِ من أصواتِهم، فنزلوا إلى درجة تمييز البهائمِ التي تُطيقُ حملَها، وكذلك الناسُ يعجَزون عن حملِ كلام الله المجيد بكُنْهه وكمال صفاتِه، فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات، ولا يمنع ذلك معاني الحكمة المخْبوءةِ في تلك الصفات.
قوله: (أوّل الغزوِ أخْرق)، يعني: أنّ صاحَبه غِرٌّ لم يَصْطَلِ بنارِه، ويُضرَبُ لمن ابتدأ أمرًا وهو لا يَحْذَقُه. قال الميداني: قال أبو عبيد: يُضَربُ في قلّةِ التجارِب. قال الشاعر:



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
الحَربُ أوّلُ ما تكونُ فَتيَّةً تسعى بزينتِها لِكلِّ جَهولِ
حتى إذا استعرت وشبَّ ضِرامُها عادت عجوزًا غيرَ ذاتِ حَليلِ