ثم هوّنت بعد ذلك؟ قلت: الإعادة في نفسها عظيمة، ولكنها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل: الضمير في (عليه) للخلق. ومعناه: أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء، لأن تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبًا وكبدًا، من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه. ثم قيل في هذه الآية: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ ففهم منه أنه أَدْوَنُ منه، وأجاب بما يدلُّ على أنّ اعتبارَ التعظيمِ في الأولِ لكونِ الإعادة في نفسِها عظيمةً؛ لأنّها الغايةُ في الإيجاد والمقصودُ في الإنشاء، وبها يستقرُّ كلٌّ من السُّعداء والأشقياء في درجاتهم ودَرَكاتِهم، واعتبارُ الأَهْوَنِ بحَسَب الإيجاد والقَصْد في الخَلْق.
وبهذا التقرير يُتخلَّص من إشكالِ صاحب ((الانتصاف)) حيث قال: ﴿ثُمَّ﴾ على بابها في تراخي الزَّمان أو يُسَلِّمُ تراخي المراتبِ على أن مرتبةَ المعطوف عليه العليا، ومرتبة المعطوف هي الدنيا تأكيدًا في مجيئها، فإن المعطوف بها في أكثر المواضع أرفع درجة من المعطوف عليه.
وقلت: ويجوز أن يُحملَ ﴿ثُمَّ﴾ على مجردِ البُعْدِ مجازًا، فيُعتَبرُ التراخي في الزمانِ والمَرْتبةِ معًا.
قوله: (لأنَّ تكوينَه في حدِّ الاستِحكامِ والتَّمامِ أهونُ عليه وأقلُّ تَعَبًا وكبَدًا، يعني: بالنِّسبة إلى الخَلْق.
قال الإمام: لأنَّ في البَدْء يكون عَلَقةً، ثم مضغةً، ثم لَحمًا، ثم عَظْمًا، ثم يُخلق بَشَرًا، ثم يَخرج طفلاً، ثم يَترعرعُ إلى غير ذلك، فَيصعب عليه كلُّ ذلك. وأمّا في الإعادة فيَخرج بَشرًا سَوِيًّا بِكُن فيكون، فهو أهونُ عليه.


الصفحة التالية
Icon