ترضون لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟ (كَذلِكَ) أى: مثل هذا التفصيل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أى: نبينها؛ لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها؛ لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها. ألا ترى كيف صوّر الشرك بالصورة المشوّهة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وافتاتَ فلانٌ عليكم برأيه: سبَقكم به ولم يُشاوِرْكم، وفلانٌ لا يُفات عليه، ولا يُفتاتُ عليه؛ أي: لا يُستَبدُّ برأيٍ دونَه.
النهاية: قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرٍ: ((أَمِثْلي يُفتاتُ عليه في بَناتِه))، فهو افْتَعل من الفَواتِ: السبق، يُقال لكلِّ مَن أحدثَ شيئًا في أمرِك: قد افتات عليك فيه.
قوله: (ألا ترى كيف صوَّر الشرك بالصُّورة المشوَّهة)؛ أي: القبيحة. يريد أن الغرض مِن ذِكْر التَّمثيل تقبيحُ شأنِ الشِّركِ وإبرازُه في ذِهن السّامع بصُورة يَشْمئِزُّ منها، وذلك بأن يَتصوَّر حالَة سَيدٍ له رقيقٌ مستبدٌّ متصرفٌ في أمواله تصرُّفَ الشُّركاءِ من غير تَفْصِلةٍ، بحيث إن أراد السَّيدُ التَّصرفَ هابَ منه.
ولما كان ضربُ الأمثالِ لإدْناء المتوهَّم إلى المعقول وإرادة المتخيَّلِ في صورة المحقَّق، أتى في هذه الفاصلة بقوله: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وكذلك في الآية السابقة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾؛ لأن ذلك تمثيل لإحياء النّاس وإنشارِ الموتى.
وأمّا الفاصلةُ بقوله: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ لقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، لأنَّ القصدَ في خَلْق الأزواج السُّكونُ إليها وإلقاءُ المحبَّة بينَ الزَّوجينِ ليس لمجرَّد قضاء الشَّهوة التي يَشترك فيها البهائمُ، بل لتكثير النَّسْل وبقاءِ نَوع المُتفكِّرين الذين يؤدِّيهم الفِكرُ إلى المعرفةِ والعبادة التي ما خُلقت السَّماواتُ والأرضُ إلاّ لها، فناسَب ذلك التَّفكُّر.
وخُصَّ قولُه: ﴿مَنَامُكُم﴾ بالليل، ﴿وَابْتِغَاؤُكُم﴾ بالنهار بالسَّمع؛ لأنَّ أكثرَ الناس


الصفحة التالية
Icon