[(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)] ٢٩ [
(الَّذِينَ ظَلَمُوا) أى: أشركوا، كقوله تعالى: (إنّ الشرك لظلم عظيم)] لقمان: ١٣ [، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أى: اتبعوا أهواءهم جاهلين؛ لأنّ العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه. وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شيء، (مَنْ أَضَلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُنْسدِحون باللَّيل كالأمواتِ ومتردِّدون كالبهائم بالنهار، لا يَدرون فيمَ هم ولم ذلك، لكن من ألقى السَّمعَ وهو شهيدٌ يَتنبَّه لواعظِ الله ويصغي إليه؛ لأنَّ مَرَّ اللَّيالي وكَرَّ النَّهار يناديانِ بلسانِ الحالِ: ((الرَّحيلَ الرحيلَ من دارِ الغرور إلى دار القرار))، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢].
وأمّا اختصاصُ قولِه: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ بالعلم الذي هو يُوجب تمييزًا؛ فلأنَّ كلَّ مَنْ له أدنى مُسْكَةٍ يُمَيِّزُ بين مخلوقٍ بالمَنطِق واللَّونِ، وكذا دلالةُ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ على وُجود الصانعِ أظهرُ الأشياء وأَبيَنُها لا تخفى على كلِّ مَنْ له تمييزٌ، ولما فيه مِنَ العُموم. وقرئ ﴿لِّلْعَالِمِينَ﴾ بالفتح والكسر.
ثم جيء بعدَ آيات بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾، وفصَل بقوله: ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ إيذانًا بأنه تعالى ذلك بمَحْضِ مشيئته، وبأنَّ ليس الغِنى بفعل العبد وجهده ولا العُدْمُ بعَجْزه وتقاعده، ولا يَعرفُ ذلك إلاّ مَنْ آمَن بأنَّ ذلك تقديرُ العزيز العليمِ كما قال:
كم من أديبٍ فَهِمٍ قَلْبُه | مستكملِ العقلِ مُقِلٍّ عَديمْ |
ومِن جهولٍ مُكثَرٍ مالُه | ذلك تقديرُ العزيزِ العليمْ |