للتوحيد ودين الإسلام، غير نابين عنه ولا منكرين له، لكونه مجاوبًا للعقل، مساوقًا للنظر الصحيح، حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينًا آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإشعارُ بأنَّ أصلَ الجِبِلَّةِ السَّليمةِ المتهيئةِ لقَبولِ الحَقِّ أن لا تُغيٍّرَ ولا تَتْرُكَ لِمَحْضِ التَّقليد، فإنه مُجاوِبٌ للعقل.
هذا معنى ما روينا عن البخاريِّ ومسلمٍ وغيرِهما، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مولودٍ إلاّ ويولَد على الفِطرةِ، فأَبواهُ يهوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه، كما تُنتِجُ البهيمةُ بهيمةً جَمعاءَ، هل تُحسُّون فيها من جَدعاءَ)). ثمَّ يقولُ أبو هريرةَ: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾.
الجَمعاءُ: التي لم يذهب من بدنها شيءٌ. والجَدْعاء: المقطوعةُ الأُذنِ والأَنف أو الشَّفة أو اليد، ونحو ذلك. والمعنى: أن المولودَ يُولدُ على نوعٍ مِن الجِبِلَّة، وكونِه متهيِّئًا لقبول الحقِّ طبعًا لو خَلَّته شياطينُ الإنسِ والجنِّ، كما أن البَهيمة تولَد سَويَّةَ الأطرافِ، لولا النّاسُ وتعرُّضهم إليها لبَقِيَت كما وُلِدت سَلِيمةً.
قوله: (مساوقًا للنَّظر)، الأساس: هو يًساوقُه ويُقاودُه، وتَساوقَتِ الإبلُ: تَتابعت.
قوله: (كلُّ عبادي خَلَقتُ حُنَفاءَ) هذا حديث طويلٌ رواه عياضٌ بن حِمار رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: ((إنِّي خَلَقتُ عبادي حُنفاءَ كلَّهم، وإنِّهمْ أَتتْهُمُ الشَّياطينُ فاجتَالَتْهُم عن دِينهم، وحَرَّمتْ عليهم ما أحلَلْتُ لهم، وأمَرَتْهُم أن يُشركوا بي)). أخرجه مسلم.


الصفحة التالية
Icon