شيء نكر، إذا أنكرته النفوس واستوحشت منه ونفرت. والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه. ومن استفحاشهم لذكره مجردًا وتفاديهم من اسمه: أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به، فيقولون: الطويل الأذنين، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة: وقد عدّ في مساوي الآداب: أن يجرى ذكر الحمار في مجلس قوٍم من أولى المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافًا وإن بلغت منه الرجلة، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، تم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه، وإخراجه مخرج الاستعارة، وأن جعلوا حميرًا وصوتهم نهاقًا؛ مبالغة شديدة في الذم والتهجين، وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه، وتنبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأساس: وضَع منه: غَضَّ منه ونقَض، يقال: عليك في هذا غَضاضَة؛ أي: نَقصٌ وعَيبٌ، وفُلانٌ غَضِيضٌ: ذليلٌ بَيِّنُ الغَضاضَة.
الراغب: الغَضُّ: النُّقصان من الطَّرْفِ والصوتِ وما في الإناء، يقال: غَضَّ وأغَضَّ.
قال عز وجل ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] وقال: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ [لقمان: ١٩] وغَضَضْتُ السِّقاءَ: نقصت ممّا فيه. والغَضُّ: الطَّرِيُّ: الذي لم يَطُل مُكْثُه.
وقوله: (وتَفاديهم) الأساس: ومن المجاز تَفادي منه: تَحاماه.
قوله: (وإن بَلغت منه الرُّجْلَة) أي: أعْيَتْهُ. الأساس: فلان راجلٌ بيِّنُ الرُّجلة، وحَملَك الله عن الرُّجْلَة.
قوله: (مبالغةٌ شديدةٌ في الذَّم والتَّهجين) إشارة إلى أنّ قوله: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ تعليلٌ للأمر بغَضِّ الصَّوت على الاستئناف، كأنَّه قيل: لمَ أَغضُّ الصَّوتَ؟ فأجيبَ: لأنَّك إذا رفعتَ صوتكَ كنتَ بمنزلةِ الحمارِ في أخسِّ أحوالِه. ثم ترك المشبَّه وأداة التشبيه ووجهه، وأخرجَ المشبَّه به مخرجَ الاستعارةِ المصرِّحة المركَّبة العقلية أو التمثيلية.


الصفحة التالية
Icon