حيوان، وإما غير حيوان، فما ليس نعمةٌ على الحيوان، والحيوان نعمةٌ من حيث أنّ إيجاده حيًا نعمةٌ عليه؛ لأنه لولا إيجاده حيًا لما صح منه الانتفاع، وكل ما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمةٌ. فإن قلت: لم كان خلق العالم مقصودًا به الإحسان؟ قلت: لأنه لا يخلقه إلا لغرض، وإلا كان عبثًا، والعبث لا يجوز عليه، ولا يجوز أن يكون لغرٍض راجع إليه من نفع؛ لأنه غنى غير محتاٍج إلى المنافع، فلم يبق إلا أن يكون لغرٍض يرجع إلى الحيوان؛ وهو نفعه. فإن قلت: فما معنى الظاهرة والباطنة؟ قلت: الظاهرة: كل ما يعلم بالمشاهدة، والباطنة ما لا يعلم إلا بدليل، أو: لا يعلم أصلًا، فكم في بدن الإنسان من نعمةٍ لا يعلمها ولا يهتدى إلى العلم بها، وقد أكثروا في ذلك: فعن مجاهد: الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء، والباطنة: الإمداد من الملائكة. وعن الحسن رضى الله عنه: الظاهرة: الإسلام. والباطنة: الستر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستحقُّ بها الشُّكر. والحقُّ أن هذا القَيْدَ غيرُ معتَبرٍ؛ لأنه يجوز أن يُستحقَّ الشكرُ بالإحسان وإن كان فِعْله محظورًا؛ لأن جهةَ استحقاقِ الشُّكر غيرُ جهةِ استحقاقِ الذَّم والعقابِ، فأيُّ امتناعٍ في اجتماعهما؟
ألا ترى الفاسق يستحقُّ الشُّكرَ لإنعامِه، والذمَّ لمعصيةِ الله تعالى، فلمَ لا يجوز أن يكون الأمرُ هاهنا كذلك؟
أما قولنا: ((المنفعة))، فلأنَّ المضرَّةَ المَحْضَةَ لا تكون نعمةً. وقولنا: ((المفعولة على جهة الإحسانِ))؛ لأنه لو كان نفعًا وقَصَد الفاعل به نَفْع نَفْسِه لا نَفْعَ المفعولِ به، لا يكون نعمةً، وذلك كمن أحسَنَ إلى جاريته ليربحَ عليها.
قوله: (الظاهرة: الإسلامُ، والباطنة: السَّترُ) قال في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]: مَن أنعَمَ الله تعالى عليه بنعمة الإسلام لم تَبْقَ نعمةٌ إلا أصابتْهُ. وفي قوله: ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا﴾ [الأعراف: ٢٠]: فيه دليلٌ على أن كَشْف العَوْرةِ من عظائم


الصفحة التالية
Icon